............رقم الإيداع (337) (دار الكتب والوثائق - المكتبة الوطنية) (بالموصل 4677 في 7/12/2005) (وقبض الرسم بالرقم1513في 7/12/2005)..........

مؤلف كتاب الشورى

الفهرست

الأربعاء، 17 يونيو 2009

الفرع الأول

(  الخليفة الأول . أمير المؤمنين . الإمام . الصحابي  )

(  أبو بكر  الصديق  )

        {  إذْ  يقولُ  لصاحبهِ  لا  تَحزَنْ  إنّ  اللهَ  معنا  }      ( التوبة 41 )

و قال الخليفة الأول أبو بكر الصديق  :

 يا أيها الناس إذا كلفتموني أنْ أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله لم أقم به              لأنه -  معصوم -  وأنا بشر

               لقد سبق و أنْ قلنا ( إنّ وقت تطبيق – من يقول إنّ الخليفة معين بالنص – أي بالاستخلاف  -  قد انتهى وقته ) و نحنُ -  اليوم – في – واقع – عدم وجود دولة إسلامية واحدة للأمة الإسلامية الواحدة – و عدم وجود رئيس الدولة – الخليفة -  و إنّ المسلمين اليوم ملزمون – بوجوب وجود خليفة – و وجوب مبايعة خليفة – و لا اجتهاد في معرض النص      و الواقع العملي في سيرة الرسول كاشف للدليل – و هذا الوجوب – هو بإجماع المسلمين – حتى – بإجماع الخلفاء الخمسة الصديق و عمر و عثمان و علي و الحسن  -  لأنهم جميعاً مؤمنون – بالعقيدة الإسلامية – بدليل أنهم الخمسة قد أصبحوا خلفاء – و لكنْ اختلافهم فقط – كان على – الآليةطريقة نصب رئيس الدولة – الخليفة – رغم إن الشرع الإسلامي – قد فرض أنْ تكون الطريقة من جنس الفكرة – جنس النبوة – و فعلاً قد تضمن الشرع الطريقة مع الفكرة و نص عليها { و أمرهم شورى بينهم } – و قد حصل نقاش بين الصحابيين أبي بكر الصديق و علي أبي الحسن – حول الشورى – وإنّ الصحابي علي قد أجابه بأبيات شعر و هي حجة – بتعريف مفهوم – الحكم الشرعي للشورى  - منها  :-

   (  و إنْ كُنتَ بالشورى ملكتََ أمورهم            فكيفَ  بهذا  و المشيرون غُيَّبُ  )   

 و يُفهم من هذا الشعر – إنّ الصحابي علي قد أحتج بعدم تطبيق - سلوك طريق الشورى – غيبُ – ولم يحتج – بعدم تطبيق - نص التعيين أو الاستخلاف  -  و حتى الصحابي علي قد رضي أنْ يكون بالمنصب الدنيوي – الخليفة الرابع – بالشورى و ليس بالنص عندما قال – غداً تبايعونني في المسجد – رغم أنه – يتمتع بالمنصب الرباني – ولي الله -  و كذلك الصحابي الحسن رضيّ أنْ يكون بالمنصب الدنيوي – الخليفة الخامس -  بالشورى – رغم أنه – أحد أعضاء العترة –  و العترة جهاز مكلف بسنة نبوية ربانية بمهمة – حماية و صيانة و حفظ – الثقلين القرآن  و السنة – من البدع و التلاعب بهما بالمتشابهات -  إذاً – فنحنُ المسلمين – مهما كان تأييدنا لأي - فكر إسلامي - و لأي اجتهاد مُختلف عليه في موضوع -  الشورى -  علينا جميعا اليوم – وجوب إسقاط الفرض عن أنفسنا – بالعمل على أنْ تكون هناك بيعة في أعناقنا – و هو وجوب تنصيب و مبايعة – الخليفة – رئيس الدولة الإسلامية الواحدة –          و بطريق الشورى – لأنّ من هنا – تعطلتْ الشورى – لأول مرة – و من هنا تم بذر – البذرة الأولى – التي أنتجت ( الفئتين العظيمتين ) التي قصدها رسول الله الحبيب بحديثه الشريف     <  ولدي الحسن سيد و لعلّ الله  يصلح  به بين فئتين عظيمتين من المسلمين >  و لكن رغم - الصلح – أخذت تنمو و تترعرع – هاتان الفئتان العظيمتان -  بسقي الكفار و أعداء الإسلام و الحكام الذين تسلطوا على الأمة الإسلامية - بعد الخلفاء الخمسة -  لها من ( الماء الآسن     و العلقم المتساقط من - تعطيل الشورى - و تبديل الخلافة - بولاية العهد و الوراثة – المصحوبة بالسموم و الإبادة و الدمار و التدمير ) و ليس بماء { وأنْ لوْ  استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقا } ( الجن 16 ) إلى أنْ أخذت تسمى                                  ( الفئة السنية و الفئة الشيعية )  بدل  { هو سماكم المسلمين } و إلى يومنا الحاضر -  و هذا ما سنبحثه في هذا الفرع الأول من الفصل الثالث العشر و الفروع الأخرى التالية من بحثنا السياسي هذا – و إننا سنبذل جهدنا أن تكون مصادر بحثنا هي مصادر المؤيدين للفئة السنية  و لأعمال الخلفاء الصديق و عمر وعثمان أكثر من مصادر مؤيدي الخليفتين علي و الحسن – مثل – كتاب ( السياسة و الرعية – لابن تيمية ) و  ( تاريخ الخلفاء – للعلامة السيوطي )       و كتاب ( الإمامة و السياسة – لابن قتيبة ) و كتاب تاريخ الطبري و مقدمة ابن خلدون          و الصحاح و غيرها الكثير .  

             و قد بُويع الصحابي أبو بكر الصديق للخلافة سنة أحد عشر للهجرة – و هو قريشي تيمي – وكان مشركاً قبل الإسلام – و أول من أصبح مسلماً من كبار السن عندما بَعَثَ الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه و آله و سلم بالرسالة الإسلامية – و قد جاءت الإشارة إليه في القرآن المجيد في الآية الكريمة { إلاّ  تنصروهُ فقد نصرهُ اللهُ إذْ  أخرجهُ الذين كفروا  ثاني اثنينِ إذْ  هما في  الغار  إذْ  يقولُ لصاحبهِ لا  تحزن إنّ اللهَ معنا  فأنزلَ اللهُ سكينته عليه }  -  وفي هذه -  الخطة الإلهية -  خطة هجرة الرسول الحبيب – من مكة المكرمة – إلى المدينة المنورة – عدد من الأساليب – و إنّ الأسلوب الأول في الخطة  – هو -  واقعة نوم الصحابي علي في فراش  رسول الله الحبيب – فداءً له – وإنّ واقعة الفداء هذه هي جزء من مخطط الهجرة – الخروج الذي أراده الكفار و هو غير الخروج الذي أراده الله تعالى -  وهو خير الماكرين  – و قد تزامنت واقعة الأسلوب الأول – مع واقعة الأسلوب الثاني -  وهو – اختفاء رسول الله الحبيب في الغار و معه صاحبه الصديق – و كان الصديق حزيناً فطمأنَ قلبه رسول الله – و هذه معجزة الله لرسوله الحبيب – و إنّ الله سبحانه يجزم على نصر رسول الله بقوله الكريم { و إذ يمكرُ  بك الذين كفروا ليُثبِتوكَ أو يَقتلوكَ  أو يُخرِجوكَ و يَمكّرونَ و يَمكرُ اللهُ و اللهُ خيرُ الماكرين } ( الأنفال 31 )  - و بذلك  فإنّ الرسول الحبيب كان ثابت و مستقر القلب بهذا -  النصر – و بهذا – التخطيط – للهجرة – لذا فإنه – لم يحزن – و لكنه طمأن قلب صاحبه الحزين { إنّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه }  .

                   و إنّ  -  الصحابي أبا بكر – قد شارك في بعض الحروب و الغزوات في عهد رسول الله الحبيب – و قد أنفق بعض أمواله في سبيل الله و كان يعتق الصحابة المناضلين المؤمنين الذين تضطهدهم قريش – وقد أراد – الصديق – المنازلة في – معركة بدر -  فلم يوافق رسول الله الحبيب و قال له < متعنا بنفسك >  - وفي – غزوة بني سليم – أعطى رسول الله الحبيب الراية إلى – الصحابي الصديق -  فأصبح الجيش بقيادته ولكن الجيش رجع خائباً و لم يحقق ما أراده رسول الله و بعده أعطى الراية إلى - الصحابي عمر بن العاص الأموي – و كذلك رجع الجيش خائبا – و بعدهما أعطى الراية و القيادة إلى – الصحابي علي – فانتصر الجيش و حقق الهدف من الغزوة -  و في  - معركة خيبر – كان الصحابي الصديق قائداً لإحدى الحملات على – خيبر اليهودية – فرجع الجيش خائباً – و كذلك أُعطيت الراية إلى عدد من الصحابة منهم – الصحابي عمر بن الخطاب – فرجع الجميع خائبون – و بعدهم عين رسول الله الحبيب – الصحابي علي – قائداً للجيش فانتصر وقلع باب خيبر .

                   و قد هاجر الصديق مع الرسول الحبيب و بصحبته إلى المدينة المنورة و كان ابنه و ابنته في خدمتهما عند اختفائهما في الغار – و قد تزوج رسول الله الحبيب – الصحابية عائشة – بنت أبي بكر و التي كانت صغيرة السن و كانت تسبب للرسول بعض المتاعب – و في إحدى المتاعب قد استشار الرسول الحبيب – الصحابي علي – فأشار على الرسول بطلاقها حلاً للخلاف – و إبعاد الرسول عن الوضع المؤلم الذي كان يعيشه بسبب ذلك الحادث الذي – اقتضاه الله جلت قدرته -  ليُعلم و يُفهم البشرية و العالمين بأنّ – الاتهام – قد يحصل مع أي إنسان حتى مع زوجة الرجل الأول في المجتمع و الدولة -  أو مع بنته لذلك فقد جاء الحديث الشريف موضحاً هذه الفكرة < و الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدها > - و مع ذلك يجب على أطراف القضية – أيّ قضية – و على المجتمع الصبر على -  التحقيق  و التحري و البحث – و بكل هدوء وعدم التسرع – و بنزاهة و إخلاص – الوصول إلى – الحكم الصحيح و العادل – في أي – اتهام – و أي جريمة – مخالفة أو جنحة أو جناية – من الكبائر أو الصغائر – و لكن – لغموض – و تعقيد مثل هذه التهم منها – تهمة أم المؤمنين الصحابية عائشة – و لأنّ -  أعداء -  الله و رسوله و الإسلام – من الكفار والمنافقين – كانت لهم قوة التأثير في حينه في المحاربة و خلق – الفتن – فإنّ الله جلت قدرته قد تدخل وحسم الوحي براءتها من التهمة حيث قال سبحانه { أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرةٌ و رزقٌ كريم }       (النور 27) – و قد بقى في نفس السيدة عائشة شيء من موقف – الصحابي علي – و إشارته على رسول الله الحبيب بطلاقها – و الطلاق ليس عقوبة و إنما كان حل للمتاعب – و إنّ هذه ( الحادثة – و الإشاعات – والنفاق ) التي حصلت مع زوجة الرسول هي من المتاعب التي تدلل على إنّ رسول الله الحبيب هو – إنسان -  و يعيش في – الدنيا – و في – مجتمع – و يحصل له ما يحصل لغيره من البشر ( و لكن الذي يحصل له قد يكون وثيق الصلة بالتشريع و بتطبيقاته العملية التي يحتاجها المجتمع الإسلامي أكثر من الأحاديث التي تقتصر على الأقوال فقط  - تماماً – مثل طلاق الصحابي زيد لزوجته عملياً ) – و لكن علينا بالمجتمع المتقدم الراقي الذي يتحمل – الصدمة و الرجة العنيفة – لتكون من ضمن وسائل تصنيعه و صقله عملياً – و علينا – بالحلول الصحيحة – في هذه الحادثة و غيرها و هي – الأحكام الشرعية – التي هي الأساس فيها – جلب المصالح للناس و دفع المفاسد عنهم – وهي – شفاء و رحمة للعالمين – و كان الصحابي الصديق والد السيدة عائشة كثيراً ما يقوم بتعنيفها بسبب تلك المتاعب التي تسببها إلى رسول الله الحبيب .                                                    

   ( الزواجات و المصاهرات الشرعية لا تقرب الصحابة أو تبعدهم عن )

                                     الجنة و النار

 

        و إنّ على المسلمين و الناس أجمعين أنْ يفهموا – الدين الإسلامي – و مقاصده و معالجاته الفهم الصحيح – و كما يريده الله تعالى و إلاّ فإنهم سوف يتبعون – المتشابهات و الفتن – و من ذلك الفهم الصحيح هو ( إنّ علاقات الزواجات و المصاهرات و النسابة بين عوائل الصحابة و الناس مع بعضهم أو مع عوائل وأقارب رسول الله الحبيب – هي ليست الأدلة على الأحكام – و لا  تستنبط الأحكام منها - إلاّ إذا كان المقصود منها التشريع – مثل زواج الصحابي زيد – و لا تقرب الصحابة من الجنة و لا تبعدهم عن النار – و لا يترتب عليها – المفاضلة -  بعضهم على البعض الآخر ) – كما يتوهم بعض الناس – و إنّ  هذا الوهم هو من ضمن إفرازات التأخر و الانحطاط  -  و كذلك ما يحصل عند عوائل الصحابة من مشاكل و إساءات في تلك الزواجات – هي من الشؤون الشخصية – لا تبعد أو تقرب الصحابة من الجنة و النار – وإنما الأمر يتوقف على نوع العمل هل هو مخالف للشرع أم هو مطابق – الأعمال الصالحة أو الأعمال غير الصالحة و لكل امريءٍ ما نوى – { ما كان لأهل المدينة  ومن حولهم من الأعراب أنْ يتخلفوا عن رسول الله و لا يرغبُوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبُهم ظمأٌ و لا نصبٌ و لا مخمصةٌ في سبيل الله و لا  يطأون  موطئاً يغيظُ الكفار و لا ينالون من عدوٍ نيلاً  إلاّ  كتب لهم به عملٌ صالحٌ } ( التوبة 121 )  و كذلك قوله تعالى { قال  يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عملٌ غيرُ صالح } ( هود 46 ) – مهما كبرت أو صغرت تلك الأعمال و الأقوال – ولو كانت – مثقال ذرة – هي التي تقرب أو تبعد الصحابة و الناس من – الجنة و النار .               

                   و لكن هناك – زواجات و مصاهرات – اقتضاها – قضاء الله تعالى و إرادته – لتكون – واقع - و -  أرضية خصبة – و دليل قطعي – لتشريع الأحكام – أو لتفهيم الأحكام للناس -  و لتكون شفاء و رحمة للعالمين – بتنظيم العلاقات الاجتماعية و توزيع الحقوق بين الناس و العالمين تنظيماً صحيحاً و عادلاً – وإعطاء كل ذي حقٍ حقه و بالإنصاف – و رغم ذلك فإنّ هذه الزواجات و المصاهرات التشريعية لا تقرب أو تبعد الصحابة من الجنة و النار إلاّ  بقدر – نية التقرب إلى الله و طاعة أمره الذي يقضيه الله و رسوله – لعدم وجود الخيرة من أمرهم – و من يعصِ الله و رسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً – و الأصل أنْ يكون – واقع – تلك الزواجات هو لتشريع الأحكام و تقريب فهم تطبيقها من  عقول الناس عملياً .

 

                   و إنّ من الأمثلة على تلك الزواجات و المصاهرات سواء التي لم تكن لها علاقة بالتشريع والأحكام أو التي لها علاقة -  هو -  زواج رسول الله من التاجرة الأولى في مكة المكرمة – خديجة الكبرى – وزواجه من سودة بنت زمعة و من عائشة بنت أبي بكر و من حفصة بنت عمر بن الخطاب – و زواج الصحابي زيد  من ابنة عمة رسول الله الصحابية زينب بنت جحش -  و زواج الصحابي عثمان بن عفان من رقية بنت رسول الله في الجاهلية قبل البعثة و بوفاتها أثناء معركة بدر تزوج من أختها الصحابية أم كلثوم – وزواج الصحابي عمر بن الخطاب -  حسب الروايات – من  بنت الصحابي علي – و زواج الصحابي علي  من الصحابية فاطمة الزهراء بنت رسول الله الحبيب .

                   و إنّ زواج رسول الله الحبيب من الصحابية عائشة – فإنّ – حبه لها أو متاعبه معها – لا تقرب أو تبعد الصحابية عائشة و أبيها الصحابي الصديق من الجنة و النار – و إنّ الصحابية عائشة أصبحت أم أبيها الصديق و لجميع الصحابة – ليس بزواجها من رسول الله الحبيب و إنما لأنّ الله تعالى أراد ذلك بقوله الكريم {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم } ( الأحزاب 7 ) و بذلك أصبحت الصحابية عائشة وجميع زوجات الرسول  أمهات الصحابة و المسلمين بأمر من الله سبحانه – من أجل أنْ يمتنع الصحابة من الزواج منهنّ بعد وفاة الرسول أو إذا طلق إحداهن في حياته – و لو أنّ الله تعالى لم يفعل ذلك لتمكن الصحابة و أي مسلم  الزواج من إحداهن في حياته أو بعد مماته و عندها سوف تحصل المتشابهات و الفتن .

                    و مما تقدم فإنّ – زواج رسول الله من الصحابية عائشة لا يقرب الصحابي الصديق أو يبعده من الجنة و النار أو يجعله مفضل على بقية الصحابة – من الناحية التشريعية – و إنما – العمل الصالح أو غير الصالح هو الذي يقرر ذلك – و هذا ما قرره في – القرآن و السنة – و لو كان الزواج هو الذي يقرر ذلك -  فماذا نقول بعد وفاة – الصحابية خديجة -  و قد جاءت رسول الله الحبيب – الصحابية خولة بنت حكيم – وخيرته الزواج من – الصحابية عائشة – صغيرة السن و بنت الصحابي الصديق – أو من – الصحابية سودة بنت زمعة – الكبيرة و الأرملة – فاختار – سودة – و عمرها خمس و خمسين سنة – و تزوجها – و لم يختار – عائشة – و عمرها اثنى عشر سنة و رغم أبيها الصديق من كبار الصحابة – و مثل هذا ينطبق على – زواج الرسول من الصحابية حفصة بنت الصحابي عمر بن الخطاب فقد تزوجها و طلقها ثم راجعها – فهذه العلاقات في الزواجات لا تقرر تقريب أو إبعاد الصحابي عمر و ابنته حفصة و لا الصحابي الصديق و ابنته عائشة من الجنة و النار و لا الأفضلية أو عدم الأفضلية على بقية الصحابة لأنها مجرد علاقات شخصية قررها القضاء  – أو القسمة و النصيب كما يقولون – و كلها علل غيبية لا يجوز التنبؤ بها – و إنما الذي يقرر الجنة والنار هو العمل الصالح أو العمل غير الصالح – و الله تعالى يقول { قل إنْ كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم وأزواجكم     و عشيرتكم و أموالٌ اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله        و جهادٍ في سبيله فتربصوا } ( التوبة 25 ) هذه هي القيم و القواعد الأخلاقية و الفكرية التي  أراد الله          و رسوله تثبيتها في المجتمع الإسلامي – و قد توجها بحمايته لها بقوله الكريم { فمنْ  تَبِعَ هُدايَ  فلا خوفُ عليهم  و لا هم يحزنون } ( البقرة 38 ) فقد منحهم صفة من صفات الأولياء .

 

                   و أما الزواجات التي كانت لها علاقة بالتشريع و تنظيم العلاقات الاجتماعية الصحيحة و تصحيح الفكر الفاسد الذي كان يسود المجتمع الجاهلي  و  ابتداءً قد طبقها رسول الله الحبيب على نفسه ليكون – قدوة حسنة للعالمين -  و هو -  زواجه من – الصديقة التاجرة الأولى في مكة – خديجة بنت خويلد –  و عمرها أربعون سنة و هو عمره خمس و عشرون سنة – و هي أرملة و عندها بنات و الروايات تقول إنها كانت متزوجة لمرتين قبله و إنها هي التي خطبته لنفسها    و الزواج بالتراضي و الإيجاب  و القبول – و في هذا تأكيد رباني على إشاعة الفكر الصحيح في المجتمع الإنساني الصحيح – و من مثل ذلك – خطبة النساء للرجال -  قوله تعالى { قالت إحداهن يا أبتي  استأجره إنّ خيرَ منْ استأجرتَ القوي الأمين  .  قال إني أريدُ أنْ  أنكحكَ إحدى ابنتيّ هاتين } ( القصص 27 ) ذلك هو الفكر الصحيح الذي يكون فيه الرجل هو المخطوب و المرأة هي الخاطبة و هذا هو المجتمع المتقدم الراقي و الإنسان الصالح في علاقاته مع الله و مع نفسه و مع الناس – علاقات كلها صحيحة – زواجه من خديجة تكبره سناً و زواجه من سودة  أكبر من خديجة سناً و بعد الصحابية سودة قد تزوج من الصحابية عائشة و عمرها إثنى عشر سنة تقريبا فهذه الزواجات كلها أحكام و توجيه رباني – لكسر و تحطيم حدود العمر في الزواجات و فوارق أخرى – عمليا  .

 

                   و أما زواجه من – الصديقة خديجة الكبرى – فنختصره – بقوله تعالى { و لسوف يعطيك ربك فترضى } . { و وجدك عائلاً  فأغنى } ( الضحى 9 ) تخطيط إلهي للدعوة الإسلامية و دعمها بالأموال والشرف و القيم لتحقق أهدافها و لتستحق نصر الله سبحانه لها .

                   و من الزواجات التشريعية – زواج الصحابي زيد بن الحارثة – من ابنة عمة رسول الله الصحابية زينب بنت جحش – و بهذا الزواج فقد تم – أولاً -  تكسير و تحطيم الفكر القومي و العشائري – حيث – إنّ الصحابي زيد – كان مملوكاً و عبداً و أسوداً – قد تزوج القرشية العربية – بنت الحسب و النسب ومن أنقى و أشرف العوائل العربية – و  قريبة رسول الله الحبيب – و إنّ الله و رسوله – هو الذي أمر بهذا الزواج رغم امتناع الصحابية زينب و أخيها الصحابي عبد الله بن جحش – حسبما جاء بقوله تعالى { و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى اللهُ و رسولُه أمراً أنْ يكون لهم الخيرة } ( الأحزاب 36 )  فالله و رسوله قد حسما الزواج و حطما بهذا الزواج الفكر القومي و العشائري تحطيماً نهائياً – فلا يكون الخيار لأي إنسان بهذا التحطيم العملي – و لكن أنظر اليوم كيف إنّ أعداء الإسلام – قد أعادوا القومية و منها – العروبة – والعشائرية لتتحدى الفكر الإسلامي و يقدمونها على الإسلام وحتى الفقهاء و المراجع قد تثقفوا بما أراده الكفار – و ثانياً – قد تم بهذا الزواج تكسير و تحطيم و إلغاء الفكر الجاهلي – فكرة التبني – التي كان يُعمل بها في الجاهلية – لأنّ الصحابي زيد  كان يُدعى – زيد بن محمد – بالتبني – و بطلاق – زيد – من زوجته – زينب – و هذا الطلاق كذلك كان طلاقاً ربانياً بقوله تعالى { فلما قضى زيدٌ منها وطراً زوجناكها لكي لا يكونَ على المؤمنين حرجٌ في أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرأً و كان أمرُ اللهِ مفعولاً  } ( الأحزاب 37 ) وبعد الطلاق تزوج الرسول  - زينب – زواجاً ربانياً – و لا يجوز شرعاً للأب  أنْ يتزوج مطلقة أبنه – و بهذا – الطلاق و الزواج – فقد تم – إلغاء التبني في الإسلام و بقوله تعالى { أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم } ( الأحزاب 5 ) و كل هذه الأمور من قضاء الله جلت قدرته – الغيبية – منها – إنّ رسول الله كان يحب الصحابية زينب و هي تحبه في القلب دون التلميح – لذلك لم يجد الحب إلى زيد طريقه في قلب زينب  فلم تقدر أنْ تبادله المودة فأصبحت حياتهما جحيم و رغم ذلك كان الرسول يحاول إبقاء هذا الزواج و لكن الله قال للرسول { و إذ  تقول للذي أنعمَ الله عليه و انعمتَ عليه أمسِكْ عليك زوجك و اتقِ الله     و تُخفي في نفسك ما الله مُبْدِيهِ و تخشى الناسَ و اللهُ أحقُّ أنْ تخشاهُ }  فكان زواج الرسول من زينب كذلك زواجاً ربانياً – و بذلك انتهت -  القومية و التبنيشرعياً و عملياً – ولكن الكفر و العملاء قد أعادوها إلى المسلمين بكل الأساليب و المخططات الخبيثة – و المسؤولية هنا أولاً و آخراً تقع على المراجع و الفقهاء إذا لم يكونوا عملاء -  لماذا  لا يريدون إقامة دولة الإسلام التي يجب أنْ تكون من صميم عملهم كعلماء – و لا  يريدون وضع أحكام دستور الدولة و أجهزتها و هي  من صميم اختصاصهم كفقهاء  -  و الدولة الإسلامية  كفيلة بإحقاق الحق و العدل و القضاء على الباطل و الفساد منها القومية و التبني – و أما الاقتصار على الخطب و المواعظ  والمحاضرات و الإفتاء و الخمس و الزكاة فمن الذي يجبي الخراج و العشر و الجزية  فلا ينفع الله و الناس فتيلاً إلا بوجود الدولة الإسلامية الواحدة -  المحمدية .

                   و من الزواجات التوجيهية و التثقيفية – عملياً – خاصة – ما يتعلق بالناحية المالية و المادية -  و كذلك ما يتعلق -  بتصنيع – جهاز العترة – تصنيعا فعالاً يصمد أمام كل الزوابع و الرياح العاتية التي تهدف تهديم الإسلام – و تكليفها بمهمة – حفظ و صيانة الأحكام الشرعية من البدع و الافتراءات و المتشابهات – هو زواج الصحابي علي النور من النور الصحابية فاطمة الزهراء – بمهر – خمسمائة درهم – و إنّ رسول الله قال <  إنهما من أهل الجنة  >  قبل زواجهما – بالرغم من أنّ الكثير من الصحابة قد خطب – فاطمة – ولكن رسول الله كان يمتنع عن تزويجها – و في هذا الزواج قال رسول الله <  إنّ جبريل قال لي إنّ الله يخصك السلام و يقول لك أنْ تزوج النور من النور  >  وبذلك أصبح الصحابة -  علي و فاطمة و الحسن و الحسين – من – أهل البيت – العترة – و حتى يكلفون من الله و رسوله بمهمة – العترة – في الحديث الشريف المسمى – حديث الثقلين – و كذلك نقول – إنّ هذا الزواج لا يقرب أو يبعد أطرافه من الجنة و النار و لا المفاضلة على غيرهم من الصحابة و إنما الذي يقرر ذلك هو – العمل الصالح – حي على خير العمل -  وإنّ إرادة الله تعالى قد اقتضت أنْ يكون بهذا -  النور -  عدم الضلال – لن تضلوا بعدي أبداً إذا تمسكتم بالأثقال – القرآن و السنة والعترة – و هذا ما حصل و ما لم يحصل .

 

      (  كيف أصبح الصحابي  أبو بكر الصديق أول خليفة للمسلمين  )       

                     ( و ما هي  الخلافة و البيعة و الشورى ) 

                              (  السقيفة  )  

 

            و قبل الدخول في الأحداث و الأفعال و الأقوالعلينا أنْ نعرف و نفهم مصطلحات و تعاريف – الخلافة و البيعة و الشورى – و قد وجدنا إنّ خير من قام بتعريفها و شرحها هو – ولي الله الصحابي علي – ولا نخطأ إذا قلنا – لم نجد غيره من الصحابة قد قام بمثل ذلك – حيث قد جاء في إحدى خطبه ((  أيها الناس  إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر – يقصد الخلافة -  أقواهم عليه و أعلمهم بأمر الله و لعمري لئن الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس  فما إلى ذلك سبيلٌ     و لكن أهلها يحكمون على مَنْ غابَ عنها  ثم ليس للشاهد أنْ يرجع و للغائب أنْ يختار )) و إن العبارات التي وردت هي – أقواهم – و أعلمهم – أمر الله – عامة الناس -  و لم يقل عامة المسلمين – وهذه هي الشورى – والشاهد – أي الذي حضرها و مارسها لا  يجوز أن  يرجع – و الذي غاب عنها – أي الذي هاجر أو المهجر أو المقيم خارج الدولة الإسلامية -  ليس من حقه أنْ يختار - أي الانتخاب .

 

                   وقد أصبح الصحابي أبو بكر الصديق ( أول خليفة ) للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم -  ليس باتباع الحكم الشرعي – الشورى – في  قوله تعالى { و أمرهم شورى بينهم } – ولم يتحقق – ركن الاختيار و الرضا من عموم الناس – في عقد بيعة الانعقاد – لأنّ المتواجدين في – سقيفة بني ساعدة – لا يمثلون عموم الناس و لا   يشكلون أي نسبة من الصحابة لكثرتهم في حينها – لأنّ السقيفة و هي مكان بمثابة – ديوان – يملكه الأنصاري و زعيم قومه قبل الإسلام الصحابي سعد بن عبادة  – و كان هو موجوداً فيها مع عدد من الصحابة  الأنصار للتداول و النقاش في أمور الإسلام و المسلمين و وفاة رسول الله الحبيب و ما هو الواقع الذي سيحصل بعد هذا الحدث الجلل – و عند سماع الصحابيين الصديق و عمر فقد حضروا السقيفة مع بعض الصحابة المهاجرين – و أما الكثرة من الصحابة فهم منتشرون و بالآلاف في المدينة المنورة و في مكة المكرمة و القرى المحيطة و خاصة المتواجدين في بيت المصيبة التي ألمت بالمسلمين بوفاة قائدهم ورئيسهم رسول الله الحبيب – الذي لابد من أنْ يجهز إلى مثواه الأخير و هذا لا يتطلب أكثر من ساعة أو ساعتين أو أكثر أو أقل خاصة و إنّ دفنه يكون في بيته مكان تواجد جثمانه الشريف . 

 

                    لقد دخل الحاضرون في – السقيفة و هي الاجتماع المغلق – في نقاش و بحث – من الذي يخلف رسول الله الحبيب – فالأنصار قالوا ( نحن أنصار الله و رسوله و كتيبة الإسلام و نحن نصرنا رسول الله و آويناه و آوينا أصحابه المهاجرين و شاركناهم حتى في طعامنا )  فأجابهم المهاجرون الموجودون في السقيفة ( نحن المهاجرين و هل لا تعلمون إنّ رسول الله هو من المهاجرين و نحن  من قريش أفضل من الأنصار )  فأجابهم الأنصار (  ما دامت هذه حجتكم إذاً منا أمير و منكم  أمير ) – و هكذا احتدم النقاش و كثرت الحجج -   و لم يقدر أيُ الفريقين أنْ يقنع الآخر -  و لكن الصحابي عمر بن الخطاب قد أراد حسم الموضوع – فطلب من الصحابي أبي بكر أنْ يمد  يده لمبايعته – فأجابه أبو بكر (  يا عمر أنت أحقُّ بالخلافة لأنك  أقوى مني  )  فأجابه الصحابي عمر (  يا أيها الصديق إنك أفضل  مني  و أمنحك قوتي مع فضلك فتكون أنت أحقُّ مني بالخلافة فأبسط  يدك لأبايعك )  -  فبسط الصحابي أبو بكر يده  و بايعه الصحابي عمر – و كذلك بايعه بعض الصحابة الحاضرين -  و لم  يبايعه البعض الآخر منهم سعد بن عبادة الأنصاري -  و إنّ المهم في هذا الحوار هو – أول  نقاش و تنافس و انتخاب ضيق وليس -  عموم الناس  – و إنّ أحدهما و هو – الصحابي عمر – كان يملك – القوة – والقوة من شروط إنعقاد الخلافة حسب تعريف ولي الله الصحابي علي – و إنّ الآخر و هو – الصحابي الصديق يملك -  الأفضلية و العلم – و هذه هي الشرط الثاني لانعقاد الخلافة -  إذاً كل واحد منهما يملك شرط و يفتقر إلى شرط آخر  - فما هو الحل -  الحل حسمه الصحابي عمر – بمنح قوته إلى الصحابي أبي بكر – و هنا السؤال يقول – هل يجوز منح القوة و انتقالها من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر – و لكنهم لم يولوا الصحابي أبا ذر الغفاري بحجة أنه ضعيف و هو رجل تقي فكان عليهم إرسال رجل قوي معه إلى الولاية  ليصبح والياً عليها – و لكن نسأل هل لا يوجد صحابي يملك كل الشروط و الصفات التي يجب توفرها في الخليفة أحسن من هذا اللف و الدوران و المُنح و التفتيش والهدايا و العنف أحياناً .

 

                   في السقيفة – لم تنعقد بيعة الانعقاد – و إنّ الذي حصل في السقيفة – مجرد نقاش -  مفاضلة – وعندما وصل الأمر إلى نقطة الحرج حصل إنفراد المهاجرين بالبيعة الفردية بينهم و هذا أدى إلى إهمال الأنصار و غضبهم  وخروج زعيمهم الصحابي سعد بن عبادة الأنصاري منها و كله غضب و توتر و حِدّة – ولم يبايع – و مباشرة ترك العيش في المدينة المنورة  و هاجر إلى الشام للعيش فيها حتى وفاته في عهد خلافة الخليفة الثاني عمر و لم يبايع أي خليفة و مات وليس في عنقه بيعة فهل مات ميتة جاهلية – و هذا الصحابي ليس بالصحابي الذي لا يُعتد و لا يُكترث به لأنّ له وزنه في – النصرة – التي فيها تم رجحان كفة الإسلام على كفة الكفر و قريش الشرك – و كان أول صحابي يستعمله رسول الله الحبيب على المدينة المنورة في أول غزوة – غزوة ودان – و في معركة الخندق كان لواء المهاجرين بيد – الصحابي زيد بن الحارثة -  ولواء الأنصار بيد – الصحابي سعد بن عبادة – فهل يجوز أنْ يكون مصيره مثل هذا المصير و الله تعالى يقول { من أنفق من قبل الفتح و قاتلَ أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ  و قاتلوا } ( الحديد 10 )  - ونسأل الله تعالى أنْ يغفر له – فكان الذي حصل في السقيفة قد أحدث – رجة عنيفة و ضخمة – داخل الأمة و المجتمع الإسلامي قد هزته هزة تكاد أنْ تكون مميتة لولا إنّ الله جلت قدرته حافظ دينه – و قد  سببت – فتنة – وعلى أثرها حصل ارتداد الكثير من المسلمين عن الإسلام – لولا وجود الثلة الواعية و البطولة القاهرة التي تركها رسول الله في صحابته مثل – الصحابي عكاشة بن محصن الذي توفى في حروب الردة و الذي قال فيه رسول الله < عكاشة يدخل الجنة بلا حساب و لا عذاب > هذا هو التبشير بالجنة – يدخل الجنة بلا حساب و لا عذاب و ثابت ثبوت قطعي لدى كافة المسلمين .   

                                       (  بعد  الخروج  من  السقيفة  )

                و بعدها خرج الصحابي عمر بن الخطاب من السقيفة -  و التقى بالصحابي عبد الله بن -  العباس عم النبي -  فأخذ يسير معه -  و يده بيده – فقال الصحابي عمر – يا ابن العباس ( لقد كره الناس أنْ تجتمع فيكم النبوة و الخلافة  يا بني هاشم )  فأجابه الصحابي عبد الله بن العباس بآية قرآنية كريمة قرأها { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم } ( محمد 9 ) فسحب الصحابي  عمر يده من يد الصحابي عبد الله      و قال ( و الله يا بني هاشم من ظنّ أحدٌ أنْ يبلغ قعرَ علومكم لظنّ عجزاً ) فانقطع النقاش بينهما .

                   و نقول – لو أنّ المسلمين قد طبقوا - حكم الشورى -  و لم يعطلوه في – اختيار أول خليفة للمسلمين – وأخذت بيعة الانعقاد له من قبل عامة الناس و سائر المسلمين – سواء اختاروا أبا بكر الصديق أو غيره -  لأصبح هذا – الاختيار بالرضا – هو – العمل الشرعي الصحيح – في عملية أول بيعة انعقاد – فلا – ارتداد – بعد ذلك عن عمل شاهدوه و فهموه و قصدوه و مارسوه و أدلوا بدلو تفكيرهم فيه و قد بعث الطمأنينة إلى قلوبهم – فيحصل كما قال ولي الله علي  [ ليس للشاهد أنْ يرجع و الغائب محكوم على غيابه فليس له أنْ يختار ]  و إنّ الشخص أو الجهة التي لا تفوز في أول انتخابات – أول تطبيق للشورى -  يصبح لهم الأمل الكبير بالفوز في الانتخابات الثانية أو الثالثة و هكذا ما داموا مستمرين بالدعوة و العمل الفكري و بالتنافس     و التسابق – فلا – فتنة و لا ارتداد – و لا تفرقة و لا خلاف بين الفئتين – السنة و الشيعة – في موضوع – الإمامة و الخلافة و الولاية – لأنّ – الانتخابات – ستكون قد حصلت بوجود – الصحابي علي و بقية الصحابة البارزين مهاجرين و أنصار – وتكون مشاركة الجميع عملية و فعلية في – الاختيار بالرضا – قبل – عقد البيعة – و عندها سوف لا يأخذ – الألم – أهل السنة – عند أي تذكير لهم بحادث السقيفة و لا يأخذهم الحرج في الإجابة عن هذا الموضوع – و إنّ أشجعهم اليوم من يجيبك – إنها كانت إساءة في التطبيق – و ليس لنا هنا إلاّ الرجوع إلى قوله تعالى  {الذين آمنوا و تطمئنّ قلوبُهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب  .  الذين آمنوا و عملوا الصالحات طوبى لهم و حُسنُ مآبٍ  } ( الرعد 29 ) 

 

             (   رأي ولي الله الصحابي علي  في نقاش السقيفة  )

 

            بعد أنْ انتهى اجتماع السقيفة -  وصل بعض الصحابة من الذين قد حضروا السقيفة بيت – الصحابي علي -  و نقلوا ما  دار من نقاش  - و ما قالت الأنصار للمهاجرين (نحن أنصار الله و كتيبة الإسلام – منا نحن الأنصار أمير و منكم المهاجرين أمير  ) فسأل الصحابي علي – و  ماذا أجاب المهاجرون  فقال من كان حاضراً – لم يجب المهاجرون وتركوهم و انشغلوا بالبيعة فيما بينهم – فأجابهم الصحابي علي ( فهلا احتج المهاجرون على الأنصار بأنّ رسول الله قد وصى بهم بأنْ يُحسن إلى محسنهم و يُتجاوز عن مسيئهم ) فسأل الحاضرون ( و هل في ذلك حجة ) فأجابهم الصحابي علي ( نعم – حجة – لأنه لو كانت الإمارة   فيهم – الأنصار -  لم تكن الوصية بهم ) – و أخبروه بما قال المهاجرون في وصف حالهم (قال المهاجرون نحن من قريش و إنّ رسول الله من المهاجرين و نحن أفضل منكم أيها الأنصار ) فقال الصحابي علي معلقاً على قول المهاجرين ( لقد تعلقوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة ) ويقصد – بالشجرة قريش – و بالثمرة أهل البيت و الولاية و العترة – و قال – أضاعوا الثمرة – و لم يقل – تركوا الثمرة – و في الترك يمكن الرجوع – و لكن في الضياع -  الفقدان والضلال – و بهذا الخصوص فإنّ الصحابي علي قد أجاب الخليفة الأول الصديق بالشعر التالي   و هي حجة تدخل في باب – التسابق و التنافس – و ليس في باب – الحلال و الحرام :

(  فإنْ كنـتَ بالقربى  حججت خصمَهمُ      فغيركَ أولى  بالنبي و أقربُ  )

 

(  الصحابي أبو بكر الصديق أصبح الخليفة الأول ببيعة الطاعة  )

 

         و بعد أن انتهت السقيفة بدون حصول الشورى و بدون بيعة الانعقاد -  لأنّ أكثر الصحابة في المدينة لم يعقدوا بيعة الانعقاد مع الصحابي الصديق و لا حتى بيعة الطاعة – فقد قام بعض الصحابة الذين يريدون تنصيب الصديق أول خليفة للمسلمين بأعمال ليست من الشورى و مخالفة للشرع  و كان على رأسهم الصحابي  عمر باستغلال وجود جماعة من كسبة و معتمري أهل اليمن و جماعات عشائرية – من تميم و عدي و أمية – من الجهلة       و القساة – بإرغام الناس – وصحابة المدينة – على -  بيعة الطاعة للصديق – و رغم ذلك فهناك صحابة قد أصروا على عدم البيعة حتى الموت – منهم الصحابي سعد بن عبادة الذي توفى بصورة غامضة في الشام في عهد الخليفة الثاني عمر دون أنْ يبايع – و كذلك الصحابي مالك بن نويرة رئيس عشيرته الذي لم يبايع فأرسل إليه الصديق سرية بقيادة الصحابي خالد بن الوليد لا ليقتله و إنما ليفاوضه على بيعة الطاعة و دفع الزكاة – و لكن الصحابي خالد بخطة في ظلام الليل داهمه و قتله بقطع رأسه و طبخه  و غصب زوجة مالك الجميلة جداً و قد  تزوجها في تلك الليلة دون أنْ ينتظر انتهاء عدة المتوفي عنها زوجها  شرعاً . 

               و في اليوم الثاني و أثناء تجمع المسلمين في المسجد النبوي فقد جلس الصحابي أبو بكر على المنبر -  فبايعه من بايعه في السقيفة و كذلك  بايعه الحضور على – بيعة الطاعة  و ما دامت النتيجة قد تحققت فيها -  بيعة الطاعة -  من قبل عموم الناس  -  و من ثم فقد خطب الخليفة الأول أبو بكر قائلاً (( أيها الناس  إني قد – وليتُ -  عليكم و لستُ بخيركم و إذا كلفتموني أنْ أعمل فيكم بمثل  عمل رسول الله ،  لم أقم به لأنه كان – معصوم – و أنا بشر -  فإنْ أحسنتُ  أعينوني  و إن أسأتُ فقوموني  ))  .

                   و نحن نناقش هذه الأقوال – للعبرة و الاعتبار -  و إنّ الخليفة الأول الصديق قال – إني وُليتُ عليكم و لستُ بخيركم -  ولم يقل – ولاني الله عليكم -  أو – وليتموني عليكم -     و كذلك لم يقل – اخترتموني -  أو – بايعتموني – و إنما قال -  وُليتُ عليكم –  و أما ما قاله الخليفة الرابع علي –  في خطبته بعد بيعة انعقاد الخلافة ( لقد بايعني  الناس ) و هذا القول يدل على وجود – الشورى – الاختيار بالرضا من قبل عموم الناس – و إنّ عبارة الصديق – وُليتُ عليكم – تعني – الحكم عليكم – بينما بعض الفقهاء يقولون – إنّ كلمة -  مولاه – في الحديث الشريف  < من كنتُ مولاه  فهذا علي مولاه > تعني – موالاة الإسلام – و لا تعني – الحكم -  و كذلك قد ورد في خطاب الصديق –  عبارة – لست بخيركم – و عبارة – إنْ أسأتُ – و – قوموني – فهذه كلها مفاهيم فيها – الرد – على القائلين – إنّ الصحابة عدول – و لا يسيئون و لا يخطئون – و رد  على الذين لا يريدون – مناقشة و محاسبة -  الصحابة خاصة من استلم حكم المسلمين – لأنه قال – قوموني – و التقويم يعني – أكثر من -  المحاسبة -      و كذلك قال – لستُ بخيركم – و هذا إقرار بوجود من هو – أخير من الصديق من الصحابة .

        ( رأي الخليفة الخامس الصحابي الحسن في بيعة الصديق )

               و هناك قول للخليفة الخامس الحسن إلى أخيه الصحابي الحسين عندما حضره الموت – وله علاقة بالموضوع و هو قوله ( يا أخي  إنّ أباك علي عندما استشرف لهذا الأمر – يقصد الخلافة – فقد صرفه الله تعالى عنه ، و وليها أبو بكر ) وهذا القول متفق عليه عند كافة المسلمين -  و حيث إنّ  القائل هو خليفة وبنفس الوقت هو من أعضاء العترة و هو من أهل الجنة – و في القول  معاني و مقاصد و مفاهيم – قد تفيد المسلمين – حيث قال – استشرف – أي كانت تتوفر فيه – شروط و صفات و مستلزمات الخلافة أكثر من غيره – فما هو الذي حصل – إنّ الذي حصل هو – القضاء و القدر وإرادة الله – و هذا يفهم من عبارة – فصرفه الله تعالى عن الأمر – في حين إنّ الخليفة الحسن لم يستعمل هذه العبارة مع الخليفتين عمر وعثمان و إنما قال – عندما استشرف أبوك لها صُرفت عنه – و هنا يعني – صُرفتْ -   بتدخل إنسان و ليس بفعل الله تعالى  -  ولكن الخليفة الحسن لم يسبب  صرف الله الأمر عن أبيه – و أبقاه مسألة - غيبية – و هو قد يكون له علم به أو لا علم له -  المهم هو – إنّ هذا – الغيب -  كذلك لا علم للصديق و لا لعمر به و كذلك جميع الصحابة الذين حضروا السقيفة لا علم لهم بهذا الغيب – لذلك فإن أعمالهم و تصرفاتهم و أقوالهم في السقيفة كانت و فق – القضاء و القدر – و وفق اختيارهم و رضاهم و ليس جبراً عليهم – إذاً -  فهم سيحاسبون عليها – و قال الخليفة الحسن -  و وليها أبو بكر – و لم يقل – فولاها الله تعالى إلى أبي بكر – و كذلك لم يقل – وقد اختار الناس أبا بكر –  إذاً لم تحصل الشورى و لا التنصيب الإلهي .

 

(هل بيعة الصحابي علي للخليفة الصديق– بيعة إكراه - أم – بيعة طاعة )

            إنّ ما يهمنا من ( تاريخ أعمال و أقوال الصحابة ) هو ( معرفة أحكام ديننا ) و إنّ الذين يقولون ( إنّ ولي الله علي قد بايع الخلفاء الثلاث الذين سبقوه – بالإكراه – أو – بالاختيار و طاعة ) فإنّ هاذين القولين لا يغيرا  من الأمر شيْ – لأنّ الذي يقول ( طاعة )  يصنع ( أحكام شرعية ) قد تفيد الأمة الإسلامية - إذا أتى الله بقلب سليم -  و إنّ الذي يقول ( بالإكراه )  يصنع كذلك ( أحكام شرعية ) و ( إنّ الصناعة – الإستنباط - تكون  لفائدة الأمة الإسلامية و الدولة التي يجب على الصانع إقامتها و مبايعة رئيس و خليفة لها ) مثلما – عمل – ولي الله علي – الذي لم يمت ( بدون بيعة خليفة – و كان هو – خليفة – عندما  مات )  -  و هذه ( الأحكام الشرعية )  هي    ( غير الأحكام الشرعية التي نصنعها )  من  (  امتناع الصحابيين الجليلين سعد بن عبادة    و مالك بن نويرة عن مبايعة الخليفة الأول الصديق و التي  أدتْ  إلى قتلهما و استشهادهما أو عدم استشهادهما )  لأنّ -  علي  -  بالإضافة إلى كونه – صحابي – فهو ( ولي الله – من كنت مولاه – و أخا  رسول الله في التآخي -  و نفسه في المباهلة – و منزلته غير منزلتهم-  كمنزلة هارون من موسى إلاّ  لا نبيّ بعدي – و هو من خيار العوائل و من عائلة كانت تؤمن بعقيدة تقول : لهذا البيت ربٌ يحميه ) و ليس الأصنام . 

 

(  أهم الأعمال السياسية  )

( للخليفة الأول  أبي بكر الصديق  -  رئيس الدولة الإسلامية )

 

أولاً  -  نفاذ  (  جيش أُسامة  )          

 

( جيش أسامة- وقبله– غزوة تبوك – و قبلها– رسائل الملوك والرؤساء)

(هي أساس فكرة الجهاد لنشر الإسلام و ليس فتوحات الحكام المتسلطين)

 

            لقد أقرَّ الخليفة الأول الصديق نفاذ – جيش أسامة – الذي – شكله و جهزه – رسول الله الحبيب أثناء مرضه – بقيادة – الشاب الصحابي أسامة بن الصحابي زيد بن الحارثة – إلى – الشام – و فيها – هرقل الروم و معهم يهود بني نضير و عشائر يهودية أخرى الذين أخرجهم رسول الله من الحجاز و أحشرهم في الشام – و فيها كذلك – عرب الغساسنة المشركين – و إنّ يهود بني نضير كانوا من أشد القبائل اليهودية عداءاً للإسلام و المسلمين    و أشدهم حرباً و غدراً و كذباً و كرهاً للحق – التوحيد - خاصة عندما يشعرون بقوة – و إنّ الله تعالى قال { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر  .  و لولا أنْ كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا } ( الحشر 2 و 3 ) – و حتى القبائل العربية في الشام و الموالية للروم كان عداؤهم شديد للإسلام – و هل ننسى حادث – الصحابي كعب بن مالك -  عندما أصبح أحد الثلاثة – المخلفين – في – غزوة تبوك – التي حصلت قبل سنتين من وفاة رسول الله الحبيب – و قد طلب الله تعالى مقاطعة – المخلفين – وحينها قد أرسل – ملك الغساسنة العرب الموالي للروم مبعوثه إلى – الصحابي  كعب بن مالك – يطلب منه الهجرة من الحجاز و التوجه إلى الشام         و الابتعاد عن محمد رسول الله – فرفض – كعب – طلب ملك الغساسنة – و هذا يعني شدة العداء في الشام – روم و يهود و عرب – للإسلام و المسلمين .            

                   و إنّ الخليفة أبا بكر قد أصر على نفاذ هذا الجيش بقيادة – أسامة – على الرغم من طلب بعض الصحابة – بعدم نفاذه و استعماله في محاربة المرتدين – و كان من ضمن هؤلاء – الصحابي عمر بن الخطاب -  وإنّ – سبب إصرار الخليفة – على نفاذ جيش أسامة هو تأثره و تأسيه برسول الله الحبيب الذي قال و هو في شدة مرضه و قبل وفاته و بإصرار < أنفذوا جيش أسامة >  هذا أولا – و ثانيا – عندما كان الخليفة الصديق – يناقش – الصحابة في اجتماع في المسجد حول موضوع – إرسال  الجيوش إلى الشام – و كان الصحابي علي جالس و ساكت لا يتكلم فالتفت إليه الخليفة الصديق و سأله ( ما ترى يا أبا الحسن أراك ساكتاً ) فأجابه الصحابي علي (  إنك يا خليفة مبارك الأمر ميمون النقيبة فإنك إنْ سرتَ إليهم -  بنفسك -  أو – بعثت إليهم جيشاً – فإنك منصور إنْ شاء الله  ) فأجابه الخليفة ( بشرك الله خيراً و لكن كيف رأيت ذلك ) فأجابه الصحابي علي (  إني سمعتُ رسول الله يقول :  لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل منْ  ناوأه حتى تقوم الساعة ، و أهله ظاهرون ) و هنا قال الخليفة ( سبحان الله ما أحسن هذا الحديث ، لقد سررتني يا أبا الحسن سرك الله في الدنيا و الآخرة ) – فكان هذا الحديث الشريف – بشرى – و تشجيع لأبي بكر – و بعد ذلك لا يقدر أنْ يتردد فما عليه إلاّ أنْ ينفذ هذا الواجب و هو أول مسؤول بعد رسول الله الحبيب ( إنْ سرتَ إليهم بنفسك فإنك منصور) -  و إنّ الملاحظ هنا من قبل البحث السياسي  هو ( إنّ الخليفة الصديق قد أخذه الاستغراب و العجب من أقوال الصحابي علي ) بشكل يظهر للباحث و القاريء – كأنه لا علم له بالدين – فنقول – كلا فإن للخليفة الصديق كل العلم و له المكانة و المنزلة في الصحبة إلى درجة يحسد عليها – و لكن تعجبه و استغرابه و تأثره و سروره – كان بسبب سماعه – قول و توجيه ( ولي الله – من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) و لا يمكن أنْ يسمعه من أي صحابي آخر – لذلك قلنا و نقول ( هناك فرق كبير بين مفهومين -  مفهوم  الولاية – التي هي – منصب -  رباني -  في الدنيا – و بين مفهوم – الخلافة – المنصب الدنيوي باختيار الناس – و عندما أجتمع المنصبان – الولاية و الخلافة – في شخص الصحابي علي -  رفض طلب الصحابيين طلحة و الزبير بمشاورتهما في أمور الدولة -  و قال لهما – إني لا أحتاج إلى مشاورتكما و متى احتجتُ إليكما لا أتردد في طلبكما – و لو أنه استجاب لهما لانتفت عنه صفة الولاية ) و جوابه هذا من أسباب خروج الصحابيين طلحة والزبير على خليفة زمانهم – و ثالثا – هو ما حصل و ما شاهده الصحابة و منهم الصحابي الصديق في – غزوة تبوك – عندما كان الجيش بقيادة رسول الله الحبيب إلى الشام قبل سنتين من وفاته – حيث وقعت عندهم – العسرة و التخلف و مقاطعة المتخلفين – و هذه أمور لا يمكن نسيانها -  و رابعاً – إرسال رسول الله الحبيب رسائله – السياسية و الدبلوماسية – إلى رؤساء و ملوك الدول الكبرى في العالم في زمانه و  قبل سنتين من غزوة تبوك – و من – مجموع هذه الثوابت  و اندماج – الواقع و ما شاهدوه – مع إرادة الله تعالى بجعل الإسلام ظاهراً على كل من ناوأه – كان ذلك -  السبب – في توصيل الإسلام و نشره بهذه السرعة و في بقاع واسعة في العالم فلا – منَّة – للحكام في نشر الإسلام .

                   و من ذلك يظهر لنا – إنّ أمر الله تعالى و قضاءه في هذا الجيش – لابد و أنه – نافذ – و لا مرد لقضائه – و لأنّ إرادة رسول الله هي من إرادة الله جلت قدرته – و لا يمكن لأحد أنْ يحول دون نفاذه – حتى لو اجتمعت الجن و الإنس – لأنّ هذا – الجيش – كان – جيشاً هادفاً عقائدياً – و تخطيط إلهي – و له معنى كبير وأثر جبار في – مستقبل – حياة الأمة الإسلامية و العالمين – خاصة – و إنه – عمل من أعمال السنة النبوية – و قد جاء تأكيداً لغزوة تبوك التي هي كذلك – سنة و عمل نبوي -  و جيشاً سياسياً – و جيش – دعوة و فتح ونصر – و توجيه للمسلمين في نشر الإسلام إلى العالمين – و ليس للعرب فقط – فهو إرادة إلهية لنشر دينه – وإظهاره – و إنّ محمد رسول الله الحبيب هو الذي بدأ – بالفتوحات – و أمر و بدأ بتنفيذها – فكرة و إرادة وجهاز – طاعة لأمر الله تعالى – و ليس كما يدعي البعض لمآرب في نفوسهم بقولهم ( إنّ الخليفة – فلان – والحاكم المتسلط – فلان -  هو الذي فتح البلدان – وهو الذي جهز الجيوش – و هو الذي – نشر الإسلام – وإنها – منَّة منه على المسلمين ) و نقول لهؤلاء ( إنكم لو تدعون إلى إقامة الدولة الإسلامية خير لكم و ألف خير من قولكم هذا الذي تبغون من ورائه إبعاد الدولة الإسلامية – و لو – إنّ الخليفة و الحاكم – طبق الإسلام وابتعد عن تعطيل الأحكام الشرعية أو الإساءة إليها – خاصة الأحكام المتعلقة بنظام الحكم – الشورى و البيعة و لم يستبدل الخلافة بولاية العهد – لخدم الإسلام والمسلمين ألف مرة من الفتوحات التي يتشبث بها الحاكم من أجل الغنائم و استمرار تسلطه )  في حين إنّ رسول الله لا يريد – أجراً و منّة – على كل ما عمله خلال مسيرة رسالته و هذا ثابت في قوله تعالى { يا قوم لا أسألكم عليه أجراً إنْ أجريَ إلاّ على الذي فطرني أ فلا  تعقلون  } ( هود 51 )  و فعلاً متى يعقل المسلمون الغافلون خدم السلطة و الحكام التي هي غير طاعة أولي الأمر منكم – لأنّ الطاعة تكون بالتعقل و بالأحكام الشرعية – وهذا ما أكده لنا ربنا { قل الله يهدي إلى الحق أ فمنْ يهدي إلى الحقِ أحقُّ أنْ يتبع  أمنْ لا يَهدي إلاّ أنْ يُهدى فما لكم كيف تحكمون } ( يونس 35 )  .

 

                   إنّ الخطر الكبير على الإسلام و المسلمين كان من جراء الإعلام الذي – يصنعه – الحكام – بشأن – الفتوحات – فالحكام بإعلامهم يوجهون الناس – خاصة الجهلة و العوام و من ذوي المصالح مع الحكام – المرتزقة -  إلى – إنّ هذه الفتوحات – أو دخول الإسلام إلى أي جهة من الناس – مرجعه و سببه – الحاكم و عائلته و عشيرته و حاشيته – و ليس مرجعه – الله جلت قدرته – فيتخذ الجهلة من هذه الفتوحات أسباب لتبرير الدفاع عن الحاكم – خليفة أو متسلط – و كذلك يجعلونها سبب أو أسباب – لتبرئتهم – من – الأخطاء و الإساءات – التي ارتكبوها في عدم تطبيق الإسلام – و يمنعون الناس حتى من مناقشتها و عدم كشفها و هذا يؤدي إلى – جهل الناس بالأحكام الشرعية  و تخلفهم  عن العمل لإقامة الدولة الإسلامية و إلى  تراجع الإسلام في العالم مثلما حصل في أسبانيا – في حين إنّ الله تعالى يقول { و لقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون  } ( القصص 52 ) – طارق بن زياد قد نصره الله تعالى بعد أن أخترق البحر إلى بلد جديد و حرق السفن و هي المنقذ الوحيد وراءهم – و لكن – بلاط الشهداء – على الحدود الفرنسية -  قد فشلت و تراجع فيها المسلمون بعد تقديم العد الهائل من الشهداء رغم وجود المسلمين و بلادهم الأندلس الإسلامية وراء الجيش – و السبب هو إنّ طارق كان يحمل – التوحيد و الوحدة – معه – و أما في بلاط الشهداء فكانوا يحملون – التفرقة و أمراء الكيانات و التمرد على الدولة الإسلامية الواحدة – فحصلت الكارثة – فأين الفتوحات  - إنها ذهبت بذهاب التوحيد الكفيل بتوصيل الإسلام .

 

 

 

(  واجب على المسلمين كشف مخطط الكفر و أساليبه الخبيثة )

 

             فإذا كان الحكام المتسلطون هم الذين – وصلوا الإسلام و نشروه بالفتوحات – فإنّ هذا سيؤدي إلى عدم محاسبتهم و عدم المقدرة على تذكيرهم بقوله تعالى { أَ فتؤمنون ببعضِ الكتابِ و تكفرونَ ببعضٍ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا و يومَ القيامةِ يُردون إلى أشد العذاب و ما الله بغافلٍ عما يعملون  .  أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة } ( البقرة 85 ) و إنّ – الخزيّ و العذاب – هو لأنهم – بدلوا الشورى و الخلافة – بولاية العهد و الوراثة – و في إعلامهم يخلطون الأوراق – تعطيل و تبديل الأحكام الشرعية  بالفتوحات – و الله تعالى يقول { و لو شاء ربك لآمنَ منْ في الأرض كلهم جميعاً أ فأنتَ تُكرِهُ الناسَ حتى يكونوا مؤمنين } ( يونس 99 )  و كذلك قوله تعالى { و لا تدعُ من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك فإنْ فعلتَ فإنك إذاً من الظالمين } ( يونس 106 )  وقوله تعالى { هو الذي أرسلَ رسولَه بالهُدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون } ( التوبة 34 ) و أخيرا و ليس آخراً قول الله تعالى إلى رسوله الحبيب من بداية الدعوة الإسلامية و في بداية الجهاد و النضال و الكفاح {  و لا تمنن  تستكثر  } ( المدثر 6 ) فلا يجوز للرسول أنْ يمنَّ على المسلمين  – و هنا لدينا – توضيح و هو  - إنّ الخليفة الرابع علي – قد وصل إلى – الحكم و السلطة – وفق الأحكام الشرعية – وعدم حصول أي  تعطيل أو إساءة للأحكام -  و لكن لم تحصل فتوحات في عهده و حكمه – و المتسلط هارون الرشيد – قد وصل الحكم و السلطة بولاية العهد          و الوراثة و الوصية خلاف الأحكام الشرعية  – و قد حصلت فتوحات في عهده و حكمه -  والمثل يقول -  سنة يحج و سنة يجاهد – و سنة يقوم بدفن الأحياء في الجدران و سمهم في السجون  – و المتسلط صلاح الدين الأيوبي  أصلاً لم يكن يمثل دولة إسلامية و إنما كان يقود جيش إمارة و يقال إنه دحر الصليبيين و بعدها قضى على الدولة الفاطمية المتسلطة في مصر و كان بإمكانه تحويلها إلى الدولة الإسلامية الواحدة إذا كان حراً – فماذا يقول إعلام المنافقين – هل سوف يقول – إن هارون الرشيد و صلاح الدين الأيوبي قد نصروا الإسلام بفتوحاتهم – و الخليفة علي قد انشغل بتصحيح ما تعطل من الأحكام و إعادة معالم الدين التي تغيبت و لولاه     و لولا  أولاده أعضاء العترة  لتراجع المسلمون و  في فترة قصيرة  إلى الظلمة و الضلال -  و لوجدنا إسلاماً إعلامياً غير - الإسلام العقائدي -  مثلما - هو عليه اليوم إسلام  حبيس ما يسمون بالمراجع و الفقهاء          و العلماء  ولعبة بيد المرتزقة من أبنائه عملاء الكفار المستعمرين العلمانيين الصليبيين و الصهيونيين - لتدمير و تشويه عقيدته الإسلامية و أحكامها بفنون و  رسم  مخططات منها -  حركات المقاومة المسلحة  والإختطاف و الغدر و التفجيرات و الاتفاق و التوافق مع الكافر لتحرير بلدانهم – و الأكثر وقاحة -  في أحد الكيانات حزب كان قائده و  مؤسسه علماني و يدعي الثالوث المسيحي المغلف بالوحدة و الحرية و الإشتراكية و لكنه إدعى  الحملة الإيمانية الإسلامية  و وجد المرتزقة ممن يدعون الإسلام و الفقه ليقودوا هذه الحملة الآثمة و ( الكافرة بفصل الدين عن الحياة ) بدون حياء و مع ذلك لم يتمكنوا من تمرير هذا الأسلوب الكافر على المسلمين رغم تبديل اسم القائد المؤسس و ابنه إلى محمد و أحمد ولكن البابا ثمن عمله و أسلوبه الكافر الخبيث هذا بأعلى وسام بابوي و بقي البابا  على مودة مع أعضاء الحكومة خاصة المسيحي منهم – وفي كيان آخر و بأسلوب كافر و خبيث آخر وهو تسمية حكومة الكيان بجمهورية أفلاطون و غلفوها بشعار الإسلامية    و لو كانت -  الدولة الإسلامية و ليس الجمهورية الإسلامية -  لتدخلت في استغاثة و إنقاذ المظلومين            و المنكوبين و المهددين بخطر الإبادة العقائدية في أي زاوية من الكرة الأرضية  و لما اعترفت بالمنظمات الدولية الاستعمارية الكافرة و لأعطت للمهجرين لديها من أصحاب الفكر الإسلامي  مناصب  و مسؤوليات في كيانها لأنه كيان جميع المسلمين و لما بقي  المهجرون عندها  لمدة خمس و ثلاثين سنة  كما يقول المثل العامي -  عطلة بطلة -  و آثمين -  بالقعود وعدم تغيير الكيان الذي هم فيه وهذا علمنا و فهمنا به إسلامنا      و قدوتنا آخر عضو في العترة الحسين في قضيته العقائدية – هاجر من المدينة المنورة إلى كربلاء العراق      و أخذ عقيدته الإسلامية التوحيدية معه و لم يتركها في البلد الذي هاجر منه و ينتظر الرجوع إليها لكي يستأنف العمل – فهل يوجد أكثر من هذا الإثم و القعود – وإذا رجع فيكون عمله بالديمقراطية العلمانية  – كلها أساليب استعمارية علمانية كافرة و سافلة للضحك على المسلمين -  و إبعادهم  -  عن -  ما ينقذهم -  وهي -  الدولة العقائدية المحمدية – الكريمة و العزيزة  -  الدولة الإسلامية الواحدة – التي تعز الإسلام و أهله و تذل الكفر و أهله . 

   

                   إنّ نساء المدينة المنورة كُنّ فرحات بعد معركة أحد -  فأخبرن رسول الله الحبيب (  إنّ – قزمان بطل الكفر في المدينة و بتشجيع أقاربه من النساء و الفتيات و الفتية أشترك  في معركة أحد و قد أبلى بلاء الأبطال حيث قَتَلَ الكثير من مشركي و كفار قريش -  و من ثم قتل وهو كافر  ) فقال لهنّ  رسول الله الحبيب    < قزمان في جهنم  >  ( لأنه قام بأعماله في معركة أحد ليس إيماناً بالإسلام و التوحيد  و إنما دفاعاً عن الأقارب و العرض و الشرف و القومية و العشائرية و الأهل و الأقارب و مات كافرا و لم يعلن إسلامه ) – فنقول – لو أنّ رسولنا الحبيب لم يعطنا ( حكم الله في قزمان ) لأصبح بإمكان رجال الدين وعاظ السلاطين إعطاء ( قزمان ) صفة ( بطل القومية العربية – و شهيد ) مثلما يحصل اليوم في ( الجزائر و مصر – والحرب العراقية الإيرانية – و حرب ما يسمى تحرير الكويت و حرب  طالبان القاعدة  و انتفاضة فلسطين و التفجيرات و المقاومة المسلحة – و إنما لابد من -  نية  - و النية يجب أنْ تكون – عقائدية –   و ليس مجرد إسلام – وإنما يجب أن تكون – عاقلة و هادفة – أي ماذا تريد تحقيقه و أنْ يكون من جنس و درجة العمل الذي تقوم به – مثلاً – عدم وجود دولة إسلامية و الجماعة العاملة تعلن التعمير و البناء للواقع الفاسد و لا تعمل للدولة الإسلامية حتى إذا أرادت التحرير من الأجنبي فلابد من أنْ يكون التحرير هادف و عقائدي  – لأنّ الله تعالى يقول { و نجعل الرجس على الذين لا يعقلون }  و يقول جلّ من قائل { إنْ أجريَ إلاّ على الذي فطرني أفلا  تعقلون } – و نكرر و نقول – لو لم يقل رسول الله الحبيب < قزمان في جهنم > لجعلوا لقزمان الفضل في محاربة الكفار و لقالوا ( إنّ قزمان قتل و مات شهيداً و إنه من أهل الجنة و يَسبح في نعيمها ) تماماً مثل إعطاء – الفضل – اليوم إلى – الحكام المتسلطين – الذين حصلت – الفتوحات – في أيام حكمهم – رغم إنّهم  قد – عطلوا أحكام الله – و لو بعضها – و قد  أساءوا  تطبيقها و بدلوا ( الشورى و البيعة و الخلافة ) بولاية العهد و الوراثة و الوصية – و يقولون عنهم أنهم – خلفاء – و الرسول يقول < الملك العضوض المتسلط > .

                   و نحن نقولُ و بيقين بعد استقراء الواقع (  إنّ ما كان يستهدفونه  الأول هو الغنائم و تثبيت سلطانهم – و الثاني هو نشر الإسلام و استهدافه كان بتفاوت فبعضهم كان يتأسى بسنة رسول الله الحبيب جزئياً – و بعضهم ما كان يستهدف نشر الإسلام و إنما يستهدف الأول  ونشر الإسلام يحصل تحقيقه تبعاً للأول)  ولدينا -  دليل قطعي على ما نقول و لا يقبل الرد – و هو (  إنّ الحكام الذين قاموا بالفتوحات – خلفاء و غير خلفاء – هل طبقوا جميع أحكام الإسلام – قرآن و سنة – أم أنهم عطلوا بعضها و أساءوا تطبيق البعض وبدلوا و غيروا أخرى – و هل لم يَضطهدوا أو لم يُطاردوا و لم يقتلوا النفس المحرمة و لم يدسوا السم إلى من يعارض حكمهم و سلطانهم و لا يقومون بالإقناع الفكري معهم – خاصة الثلة الواعية من المسلمين المؤمنين الأتقياء – صحابة و سلف و تابعين -  أم أنهم قاموا بتلك الأعمال و الأقوال  ) و ما هي – درجة – ما فعلوه – و هذه الدرجة – هي التي – تقرر درجة ما كانوا يستهدفونه في نشر الإسلام و فتوحاتهم – و هذه معادلة – لا  تقبل – الخطأ – لأنها معادلة ربانية { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ و قاتلوا } و { أ فتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض } و لو كان هناك إيمان و تقوى مع إسلامهم – لقضوا على التعطيل و الإساءة و التبديل  قبل الفتوحات – اللهم أشهد .

                   تماما مثلما نلاحظه و نشاهده و نسمعه اليوم في عصرنا عن – تطبيقات القانون -  في الكيانات العميلة أو في الدول الكبرى – ففي أمريكا يتمكن رئيس دولتها كلنتن – بسبب نفوذه و جماله و درجة تصاعد فساد الذمم عند الكثير من الناس داخل شعبه -  من ارتكاب جريمة كبرى و هي - الزنا و كذلك جريمة الكذب محلفا -  ولكن لم يتمكن نائبه – الكور – من الفوز في الانتخابات الرئاسية – رغم إساءات تطبيق القانون ورغم نفوذ رئيسه كلنتن و حزبه الديمقراطي الذي كان حكم البلاد بيده – و قد فاز عليه منافسه – بوش الابن و حزبه الجمهوري – بتفاوت ضئيل جداً في الأصوات الانتخابية و ذلك لأنّ القضاء قد تدخل و قد ضج الناس على – مخالفة القانون بالتزوير و التلاعب في الأصوات – و في اللحظة الأخيرة قد فاز من كانت يده طويلة في الفساد – و هذا هو فساد الديمقراطية بسبب ما تفتقر إليه من فكر صحيح و من قيم و قواعد أخلاقية –  ولكن اليوم الديمقراطية قوية بما يدعمها من قوة السلاح و المال – و كذلك – حجة الفتوحات – قوية بما يدعمها من كثرة الجهل و القاعدين و من حليت الدنيا في أعينهم  وحتى الكفار -  لذلك عندما تريد – النقاش في أقوال وأعمال – الصحابة و السف خاصة الذين استلموا الحكم و ما يؤيدهم من فقهاء – فإنهم يجابهونك – بالفتوحات و الفتن – و يضعون – القدسية -  عليهم و  يمنعوك و يمنعون أنفسهم من النقاش و عن فهم الأحكام و القانون  - و ينسون أنهم بعملهم هذا { يمنعون الماعون } ( الماعون 7 ) .

 

                   و عندما نقول – إنّ ( جيش أسامة – جيش سياسة و دعوة – و ليس جيش قتل و حرب ) – فإنّ دليلنا قوي و صحيح على فهمنا هذا و هو – إنّ رسول الله الحبيب  قد ضم إلى هذا الجيش العظيم – جل الصحابة كبارهم و صغارهم – ومن ضمن الصحابة – الصديق و عمر -  وهذه نقطة كذلك لا يعير لها بعض المسلمين اهتمامهم – و يمروا عليها مر الكرام – في حين – إنّ رسولنا الحبيب  قد أعطاها جلّ اهتمامه و هو في مرضه – و في حديثه الشريف < إني أحرم و أحلل و أعظ  مثل هذا القرآن و أكثر > - و مما يلفت النظر هو – إنّ هذا الجيش يضم كبار الصحابة و لكنه – بقيادة الشاب الصحابي أسامة – وعمره سبع عشرة سنة – فماذا كان يقصد و يهدف – الله و رسوله – من هذا التشكيل و هذا الاهتمام -  و من دلالات هذا الجيش – و قبل كل شيء هو كيفية – اختيار القائد – و القائد الشاب هو ابن الصحابي زيد الذي ذكره الله تعالى في قرآنه المجيد في سورة سياسية و هي سورة الأحزاب { فلما قضى زيدٌ منها وطراًً } الذي خدم الإسلام و رسول الإسلام الحبيب من أول لحظة بعثته و هي ( لحظة – إقرأ – و أنا لستُ بقاريء ) إلى يوم استشهاده في – تبوك – بعد أنْ تحمل العسرة في غزوة تبوك -  و في هذا الجو الرسالي – ولد هذا القائد و ترعرع على (الشجاعة و الإرادة و القرار السريع و تحمُل المسؤولية بنفسية لا تتبدل و لا تتغير في النصر و الفشل و عنده  لياقة القيادة بلا عجرفة و لا خنوع -  وخير من يحمل الأمانة ) – فما على المسلمين إلا دراسة – شخصية هذا القائد لأنه اختيار الله و نبيه لاستخلاص الشروط التي يجب توفرها في القائد -  و لنا في قيادة رسول الله إسوة حسنة – في – غزوة  حنين – ففد انكسر الجيش الإسلامي و أنهزم الكثير من الجنود و الأمراء – و ضاقت عليكم الأرضُ بما رحبت ثم وليتم مدبرين – ولكن القائد رسولنا الحبيب قد بقي صامداً و ثابتاً على بغلته و معه عشرة أشخاص من مجموع اثني عشر ألف مقاتل  و طلب من عمه العباس – صاحب الصوت الجهوري – أنْ يصيح و ينادي – أصحاب بيعة الشجرة – و فعلاً بعد الصياح و النداء قد رجع أكثر الصحابة إلى المعركة – وبعد أنْ رأت – هوازن – قتل بطلها من قبل بطل الإسلام علي -  فقد دخل الارتباك إلى صفوفهم فانهزموا وأنتصر المسلمون و استشهد في هذه المعركة – الصحابي أيمن بن أم أيمن أخ - القائد أسامة - من أمه – بركة الحبشية -  فحزن الرسول الحبيب لمقتله – وعندما عين رسول الله – أسامة – قائدا للجيش قال له – اذهب إلى موضع استشهاد أبيك زيد - تبوك – فهو ابن الشهيد و أخ الشهيد .

                   و من الدلالات كذلك – من هم الجنود الذين يُجحفلون في هذا الجيش – وقد قلنا – إنّ الجنود كانوا جُل الصحابة – كبار و صغار – ليكون بمقدور هؤلاء – الصحابة الجنود خاصة الأوائل -  حمل الدعوة الإسلامية و نقل الإسلام – بمفهومه و واقعه – الصحيح إلى عقول و قلوب الناس الكفار خاصة – الروم واليهود و عرب الغساسنة المشركين – و نقول – نقل الإسلام و ليس – الهداية – لأنّ الصحابة هم ممن – يُهتدون – و ليس ممن – يَهدون .

  ( رسول الله الحبيب قال : إذهب يا أسامة إلى مصرع أبيك زيد ) و لكن

( التبديل والتغيير بعد رسول الله – مسألة غيبية – والرسول كان يعلمها )

 

            و بعد ما وضحنا – واقع و حقيقة هذا الجيش -  نسأل – هل تم تنفيذ -  جيش أسامة -  تنفيذاً كاملاً  و حسب ما أراد رسول الله الحبيب و توجيهاته و إنّ إرادته من إرادة الله تعالى -  و إنّ هذا الموضع يحتاج إلى بحث خاص به -  و لكن المهم هو إنّ هذا الجيش – قد نفذه الخليفة الأول الصديق -  و لو جزئياً – و هنا نتعرض فقط إلى  ما يخص – مخطط أعداء الإسلام و الكفار – و هو – إنّ جيش أسامة الملتهب عقيدة وفكراً و المهيأ لاكتساح كل موانع و سواتر الكفر و الشرك بقائده و جنوده – فقد بقي القائد و استبدل الجنود – و هذه هي الجزئية التي قصدناها و التي يسعى إليها الكفار و أعداء الإسلام -  قد استبدل فيه الجنود الذين كانوا من – الصحابة العلماء الأتقياء و الثلة الواعية – بأمراء و جنود – من الظالمين و الفاسقين و ضعفاء الإيمان – بحجة إنّ هؤلاء الجنود و الأمراء – الجدد- هم –أبطال أقوياء – أمثال – أبي سفيان و ولديه يزيد ومعاوية و عمر بن العاص و المغيرة بن شعبة و خالد بن الوليد – في حين إنّ الذي ثبت من خلال – حروبهم ضد الإسلام – إنهم لم يكونوا أبطال – و إنّ أبطال الإسلام قد انتصروا عليهم – وهذه نقطة جداً مهمة و هي – إنّ أبطال الإسلام الذين بدأوا بطولتهم مع الإسلام هم الأبطال -  و نسأل كذلك – أين ذهب القادة و الأبطال الذين انتصر الإسلام بهم على قادة و أبطال قريش من أول معركة بدر الكبرى إلى معركة فتح مكة – أين هم الأبطال و القادة و حملة الرايات – من المهاجرين و الأنصار – و أين كان – أبو سفيان و أولاده و خالد – في جميع المعارك الكبيرة مع كفار قريش أيام الدعوة و إقامة الدولة الإسلامية و معاركها آخرها فتح مكة – التي استسلم و أسلم فيها – قادة و أبطال قريش الكفار و أكثرهم أصبحوا من الطلقاء و المؤلفة قلوبهم – فهل أقام رسول الله الحبيب دولته و دافع عنها ببطولة الملائكة أم ببطولة الصحابة المؤمنين الأتقياء – و نحن نعجب – كيف يشتهر خالد بن الوليد و لا يشتهر عكاشة بن محصن أو مصعب بن عمير – و بمناسبة ذكر الصحابي مصعب الذي قًتلَ مع الصحابي حمزة في معركة أحد  ووقوف رسول الله الحبيب على جثته و هو يقرأ قوله تعالى { منَ المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم منْ ينتظر و ما بدلوا تبديلا } وبعد هذه الآية الكريمة أردفها بقوله الشريف <  و إني أشهد على ذلك  > و كان أبو بكر الصديق واقفا بجواره فسأل رسول الله ( ألم تجعلنا معهم ) فأجابه رسول الله < كلا  لعلكم تبدلون و تغيرون بعدي >  .

 

                   و كذلك هناك من يقول – إنّ قائد الجيش في معركة اليرموك خالد بن الوليد – قد استعمل خطط و أساليب عسكرية – جديدة و حديثة – في هذه المعركة ضد الروم – منها تعيين الصحابي أبي سفيان للوعظ والإرشاد – و أبي هريرة للقضاء في الجيش – و إنّ جوابنا على هذا القول هو – إذا كان القصد – بالجديد والحديث – هو – الأشخاص – فهذا صحيح – و لكن معهم جنود من الصحابة المؤمنين و الأتقياء الذين لا تهمهم القيادة و الأمرة بقدر ما يهمهم النصر أو الشهادة -  و أما إذا كان القصد من الجديد هو – العمل و الفعل و التكتيك العسكري – فهذا غير صحيح – لأنّ رسول الله الحبيب هو صاحب  – الخطط و الأساليب – و كذلك أصحابه الأتقياء مثل الصحابي  سلمان الفارسي  صاحب -  أسلوب الخندق – و أما – الأساليب الفكرية          و العسكرية –  فتلخصها الآية الكريمة { و ما كانَ المؤمنونَ لينفروا كافةً  فلولا نَفَرَ منْ كلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليَتَفقهوا في الدين و ليُنذروا قومَهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يَحذَرونَ } ( التوبة 122 ) و من الأساليب العسكرية ما خُطط في معركة بدر – بجعل آبار المياه خلف الجيش و توزيع الجيش و تقديم القادة  و الأمراء – و ما حصل في معركة أحد – في رسم الخطة العسكرية المدروسة على الجبل و السفح و إنّ الخطأ الذي حصل هو عند الجنود و ليس في أسلوب الخطة الذي كان محكماً – و هناك الكثير من الصحابة الوعاظ و الفقهاء والقضاة – من الهاجرين و الأنصار – في حين – إنّ أبا سفيان و خالد بن الوليد – ليس من المهاجرين والأنصار – و إنما هم من الذين حاربوا الإسلام و أنتصر عليهم – و خالد بن الوليد بعد إسلامه قد استعمله الرسول الحبيب في إحدى الغزوات فقام بأعمال مخالفة للشرع مما أضطر رسول  الله إلى دفع الديات لجبر تلك المخالفات و كذلك أضطر الخليفة الثاني إلى عزله من قيادة الجيش بسبب عمله الآثم المشين و بقيت الفتوحات مستمرة  – و بعد كل ما حصل منه و ما صدر بحقه من عقوبات فإنهم يبقونه بطلاً  و من الصحابة العدول أمام الناس و لكنهم ماذا سيعملون في اليوم الآخر .

                   و هكذا و على أساس هذا التغيير و التبديل في الأمراء و الجنود و الولاة – فقد تمكن الكفار وأعداء الإسلام من تنفيذ مخططهم بتعيين بعض الجنود و الأمراء – الجدد – ولاة – على بعض الأقطار التي فتحت حديثا مثل – الشام و مصر – في حين كان المفروض تعيين قائد الجيش الذي عينه رسول الله الحبيب – أسامة – والياً على الشام  وتعيين من هم في مستواه على مصر و بقية الولايات – مثلما عين الخليفة الرابع علي – قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري – والياً على مصر – ولكن بعد فوات الأوان – و لو حصل مثل ذلك بعد وفاة الرسول الحبيب مباشرة لوجدنا الدنيا غير الدنيا اليوم .

 

ثانياً  -  محاربة المرتدين (  حروب الردة  ) 

 

(  و استشهاد الصحابي عكاشة بن محصن  ) 

 

            و من أعمال – الخليفة الأول الصديق -  السياسية المهمة – هو – قراره بمحاربة – المرتدين  عن الإسلام  - مهما كان – نوع ارتدادهم و كفرهم – حسبما قال الخليفة الصديق ( إني  أحاربهم حتى إذا فرقوا بين الصلاة و الزكاة – و حتى إذا قالوا نصلي و لا نزكي – أو ندفع الزكاة و لا نصلي ) – و إنّ حروب الردة كانت بتأييد و دعم و توجيه ( ولي الله الصحابي علي ) الذي -  نصح – الخليفة الأول الصديق بعدم قيادة الجيش بنفسه في حروب الردة – و طلب منه إعطاء الراية و القيادة  إلى أحد الصحابة – وهذا العمل الثاني الذي فيه دعمه للدولة و للسلطة – و نقول العمل الثاني مجازاً و الأول كان تشجيع الخليفة -  على إرسال الجيوش إلى خارج الجزيرة  رغم إنّ أعمال التعاون و الدعم لا يمكن حصرها – و إنّ هذا القرار أو الفكر أو الحكم الشرعي الثاني الذي يصدر في خلافة الخليفة الصديق ليس بالعادي و إنما له علاقة بتقرير – مصير – الأمة الإسلامية فأخذ به الخليفة الصديق و نفذه .

                   و كانت الجيوش التي تحارب المرتدين تضم – أكثر صحابة رسول الله الحبيب – و من ضمن من استشهد – الصحابي عكاشة بن محصن – الذي يدخل الجنة بلا حساب و لا عذاب – و قد قام الخليفة الأول أبو بكر الصديق بمحاربة المرتدين – بعد أنْ قام – باستتابتهم -  و بعد أنْ أصروا على الكفر و عدم التوبة و عدم الرجوع إلى الإسلام .

 

ثالثاً  -  علاقة الخليفة الأول أبي بكر الصديق  مع ( بني  أمية )

 

            و من أعمال -  الخليفة الأول أبي بكر الصديق -  السياسية هو عمله المتعلق بعلاقته – وهو حاكم و رئيس دولة – مع -  بني أمية – خاصة – الطلقاء و المؤلفة قلوبهم – هذه العلاقة و عمله فيها – قرر مصير الأمة الإسلامية الواحدة – هل بقيت أمة ناهضة           و متقدمة و واحدة – أم إنها سارت نحو التأخر و التدهور و التجزئة و الانحطاط – و بشكل مرحلي -  وإنّ  أفظع و أشد – مرحلة تأخر – هي إنهاء الإسلام في الأندلس – أسبانيا               و البرتغال اليوم – بسبب بني أمية – و إنّ الناس { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا و هم عن الآخرة هم غافلون } ( الروم 7 ) فالمسلمون يعرفون ظاهراً من – واقع بني أمية – و من – رئيسهم أبي سفيان و أولاده و عشيرته – و زوجته هند – آكلة كبد الصحابي حمزة عم النبي – و التي أعتقتْ عبداً حبشياً كان في خدمة أقاربها و الملقب – وحشي – لقاء قتله الصحابي حمزة و جلب كبده إليها – و يقال إنّ هذا العبد وحشي قد أسلم بعد فتح مكة على يد رسول الله الحبيب       و وفق قواعد و أحكام شرعية – و سافر بعد إسلامه إلى حلب الشام ليقضي بقية حياته – و فيها أصبح معاوية الأموي بن هند والياً على الشام – و كذلك يقال إنّ – وحشي – قد قتَلَ مسيلمة الكذاب رأس المرتدين – فهل يتقبل الله سبحانه واحدة بواحدة – و يقال إنّ مرة قد صادف رسول الله الحبيب في مكان ما – هند – فقال الرسول مستفسراً -  أهنود -  فأجابته -  نبيٌ و حقود – فهي عبرت عن ما يختلج في نفسها من حقد – وكان الهدف سيادة الشرع و ليس تغيير الأشخاص – و إنّ الشرع عندما يسود ينعدم تأثير الأشخاص .

            و إنّ ( بني أمية هم من الطلقاء و المؤلفة قلوبهم – الذين أسلموا لقاء مبالغ مالية ) – و إنّ الجميع يعرف من هم - الطلقاء – الذين حاربوا و قاتلوا رسول الله و إسلامه حتى – آخر لحظة – و الذين أعلنوا إسلامهم مكرهين عند فتح مكة المكرمة لينجوا من القتل – و الذين قالوا – ننطق بالشهادة و نسلم –    و ليس ليصبحوا مسلمين – هكذا قالها أبو سفيان إلى الصحابي العباس – و إنّ الطلقاء و المؤلفة قلوبهم هم من قليلي المعرفة بأحكام الإسلام أو من معدمي المعرفة – و ليس كما يدعي الظلمة إنهم فقهاء و مجتهدون       و إن دليلنا على ذلك هو – إنّ معاوية الذي استلم منصب – ولاية الشام – السنة الثالث عشر هجرية و بعد خمس و عشرين سنة من تسلطه و أثناء حربه مع – ولي الله الخليفة الرابع الصحابي علي – أرسل إلى الخليفة يسأله ( كيف نورث الخنثى -  فأجابه ) فهو بعد طول مدة حكمه هذه يسأل عن حكم شرعي في الإسلام -  و بعد معاوية تسلط ابنه يزيد و بعد يزيد ابنه و من ثم جاء المتسلط عبد الملك بن مروان الأموي – أي بعد حوالى ستين سنة من بداية تنصيب معاوية – يسافر عبد الملك بن مروان من الشام إلى المدينة المنورة من أجل أنْ يسأل الفقيه سعيد بن المسيب عن بعض المسائل الشرعية منها – ما حكم المال الموجود في الخزينة هل هو ملك عام أم ملك خاص أم هو مال المسلمين – و كذلك يسأله عن حكم الأرض المفتوحة لمن تُملك –     و يسأله كذلك عن حكم الله في الخوارج – و من خلال هذه الأسئلة و غيرها يمكن الحكم على مدى جهل بني أمية بالإسلام و أحكامه و هم قد تسلطوا على حكم المسلمين .

   ( المال قوة – و المنصب قوة – أعطاها جزافاً الخليفة الأول – إلى  بني أمية )

                    و بعد أنْ أصبح الصحابي أبو بكر الصديق أول خليفة للمسلمين – و إننا لا نريد معالجة الاتجاهات الشخصية مثل استصغار و استخفاف أبي سفيان بشخصية الخليفة الصديق – و إنما نريد معالجة الأعمال و الأقوال التي لها علاقة بالأحكام الشرعية لكي نفهمها – فقد جاء – الصحابي أبو سفيان – إلى الخليفة الصديق حاملاً معه – أكياس مليئة بأموال الزكاة – و قال له ( هذه أموال الزكاة قد جمعتها من عشيرة بني أمية كان رسول الله قد كلفني بجمعها ) فأجابه الخليفة الصديق ( أما هذه الأموال فهي لك و لعشيرتك – وكذلك قد عينا ولدك يزيد واليا على الشام ) و كان يزيد ولد أبي سفيان أكبر عمراً من ولده معاوية – و بقي يزيد في حكم الشام قليلاً و توفى  فقام الخليفة الصديق مباشرة التعيين بالوراثة لشقيقه معاوية بن أبي سفيان الأموي  والياً على الشام و كان عمره – اثنان و ثلاثون سنة – هذا عمل حصل من قبل الخليفة الأول الصديق و بعد مدة ربع قرن حصل عمل من قبل الخليفة الرابع علي و هو عزل معاوية من ولاية الشام لأنّ معاوية      لا يصلح لهذا المنصب  بسبب كونه من الطلقاء و المؤلفة قلوبهم و يفسق و يفجر و يظلم .

                    و لا ندري – على أي أساس – قد عين الخليفة الأول الصديق الشقيقين – ولاة بالوراثة على الشام – هل على أساس – الوراثة – أم الإقطاع – أم القومية و العشائرية – و إنّ الشام هي مهد الروم واليهود المهجرين إليها من الحجاز – أم إنّ التعيين كان على أساس الخوف و الخشية فاضطروا إلى -  مداهنة بني أمية – في حين هناك قول – بأنّ الخليفة الأول الصديق و مساعده الصحابي عمر بن الخطاب كان كل منهما قوي و شديد و لا يخاف أحد – و لكن هذا القول يناقض الواقع – التعيين – الذي حصل و هذا أولاً – وثانياً  يناقض قول الصديق عندما قال لعمر – إنك أقوى مني – و إنّ الله تعالى يقول { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للهِ و لو على أنفسكم و الوالدين و الأقربين } ( المائدة 8 ) و كذلك قال تعالى  {قل منْ ذا الذي يعصمكم من الله إنْ أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمةً }  و  { و لا يخافون لومة لائم } (الأحزاب 18 )  و  { ودوا لو تدهنُ فيدهنون } ( القلم 9 ) – و نقول -  صحيح إنّ الإسلام  يَجبُّ – يمحي ما قبله من أعمال الناس التي اقترفوها ضد الله و رسوله و ما تقصدوا من معصية قبل إسلامهم – أي قبل أنْ يتحولوا إلى مسلمين – رغم إنهم أرادوا  إنهاء الإسلام و المسلمين – و إنهم أصبحوا من الذين  حُسَنَ إسلامهم -  و لكن هنا نسأل ( هل الدنيا في حينها قد خلت من صحابة رسول الله من المهاجرين و الأنصار – ولا يوجد أحدهم ليعين والياً على – الشام أو مصر – إلاّ – من بني أمية -  فأين الصحابة الأتقياء  أ لم يبق واحد منهم – خاصة و إنّ منطقة الشام – منطقة حساسة – سياسياً و فقهياً – و إنّ الجواب الصحيح هو – الحمد لله رب العالمين فإنّ الصحابة من المهاجرين و الأنصار في أيام الخليفة الصديق من الكثرة بحيث يحسد عليها إلى درجة – قد أغاض الله تعالى بهم الكفار و منهم بني أمية – و إنّ بلاد الشام كانت بأشد الحاجة إليهم لأنها كانت حديثة العهد بالإسلام و لم يأخذ بعد العراقة عندهم و الأعداء و الكفار و المتربصون من الكثرة لا يستهان بها – و هل ننسى كيف إنّ رسول الله الحبيب قد ضم كبار الصحابة منهم – الصديق و عمر – إلى جيش أسامة المتوجه إلى الشام – فهذا يدل على أنّ الرسول كان يعرف و يعلم علم اليقين – حاجة بلاد الشام – إلى – التقوى و الفقه – و ليس إلى الطلقاء و المؤلفة قلوبهم الذين هم ليس من الصحابة المهاجرين والأنصار.

                    و قلنا – كان من باب أولى تعيين -  قائد الجيش الصحابي أسامة – والياً – على الشام – و هو – مزكى – كقائد من رسول الله الحبيب – تقديراً و تأسياً – بإرادته – أو تعيين أحد الصحابة الأتقياء والياً على الشام – و إنّ الصحابي أسامة بن زيد قد توفى في عهد تسلط معاوية بن أبي سفيان و لم نسمع عن أي واقع  له في السلطة -  وهل ليس بالإمكان تشكيل وفد إلى الصحابي سعد بن عبادة الأنصاري الذي خرج من السقيفة غاضباً و هاجر إلى الشام للعيش فيها لإقناعه بقبول منصب ولاية الشام – في حين بمجرد أنْ أصبح الصحابي علي الخليفة الرابع – قام بتعيين – قيس – بن سعد بن عبادة – والياً على مصر – و لكن بعد أنْ وصلت الفتنة قمتها و وصل الخراب و الدمار السياسي و الفقهي ذروته في مصر – و أصبح يخيم عليها التأخر و الهبوط  - و العمى – نتيجة أعمال و تصرفات ولاة  بني أمية على مصر – آخرهم الصحابي عبد الله بن أبي سرح أخ الخليفة الثالث عثمان بالرضاعة – و عبد الله الذي ارتدّ عن الإسلام ثم رجع بشفاعة الصحابي عثمان – والذي أوقع في مصر القتل و سفك الدماء و الفساد – و أعماله هذه هي التي أججت الثورة ضد الخليفة عثمان – وهل كان تعيين معاوية و أقاربه من الأمويين -  تعويضاً – لدم الشقيق – حنظلة – و الخال – الوليد – و جدهم – عتبة – الذين قتلتهم سيوف – آل محمد – الإسلامية في معركة بدر .

                   لقد بقي – بنو أمية ولاة عدة عقود و لم يغيرهم أحد و كأنهم هم الذين جاءوا بالإسلام – إلى أن أصبحوا – بمنصب الخلافة – و إنّ – ولي الله الصحابي علي يقول في موضوع – تعيين الولاة – ( إنّ الإسلام يوجب تعيين الوالي من الأتقياء و من ذوي العلم لأنّ الوالي سيكون – متسلط – على الفروج و الدماء والمغانم – و الأحكام الشرعية -  و إمامة المسلمين – فإذا كان جاهلاً فيضلهم بجهله – و الحائف للدولة فيتخذ قوماً دون قوم – و لا المرتشي و لا المعطل للسنة – و هذا يؤدي إلى هلاك الأمة الإسلامية ) و هذا ما حصل فعلاً – التجزئة و الهلاك .

         ( ما هو الفرق بين – خليفة الشورى -  و خليفة التولي أو التسلط )

                   لذلك نقول – لماذا أعطى الخليفة الأول الصديق – أكياس أموال الزكاة – إلى الصحابي أبي سفيان الأموي و عشبرته بني أمية جزافاً و هو الغني و المليء و رأس عشيرته و الذي كان يمول جيوش الكفر لمحاربة الإسلام و المسلمين – فلم نجد أي مسوغ شرعي و أي حكم شرعي لهذا العمل – فهل نعطيه أموال الزكاة تعويضاً على ما صرفه من أموال لمحاربة الله و رسوله و مناصرة الكفر – و هناك فرق كبير بين – راتب المؤلفة قلوبهم الذي يصرف لهم للعيش و لإشعارهم بضعف إيمانهم – و إنّ هذا الراتب هو باب واحد من مجموع ثمانية أبواب  تصرف فيها الزكاة { إنما الصدقاتُ للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و أبن السبيل فريضةٌ من الله } ( التوبة 61 ) و إنّ   بني أمية غير مشمولين بالأبواب السبعة الأخرى – وهذه نصوص قرآنية أزلية وسنة الله تبقى تعالج – فطرة الله التي فطر الناس عليها بفجورهم و تقواهم – و الإنسان عقله محدود و ضيق لا يدرك المدى البعيد لذلك عليه الالتزام بالنص الشرعي الأزلي و لا اجتهاد في معرض النص -   و لكن أعطوا بني أمية أموال تلك الأبواب السبعة الأخرى  بالإضافة إلى – واردات ولاية الشام – لتمكينهم من شراء الذمم و دعاة البدع و الافتراءات لتشويه السنة النبوية الشريفة بالمتشابهات  و دعم تكتلهم الأموي – و الله تعالى يقول { إستكباراً في الأرض و مَكْرَ السيءْ و لا يحيقُ المكرُ السيءُ إلاّ بأهله فهل ينظرون إلاّ سُنتَ الأولين فلن تجد لسُنتِ الله تبديلاً و لن تجد لسنتِ الله تحويلاً } ( فاطر 43 ) و كذلك قول الله تعالى و هو ما يتعلق بحساب الدنيا و تأخيره إلى اليوم الآخر { و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابةٍ و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى  فإذا جاء أجلهم فإنّ اللهَ كان بعباده بصيراً } ( فاطر 45 )  .

                    و إنّ نظرة بسيطة إلى ما حصل في – الشام منها فلسطين – و بمجرد – انتهاء حكم الخلفاء الثلاث – و هم ليسوا من أهل بيت رسول الله الحبيب – و لم تطبق الشورى معهم – و بمجرد مجيء -  خليفة من أهل بيت رسول الله الحبيب -  و بتطبيق الشورى معه في أشرف مركز انتخابي في المسجد – نرى كيف تمكنت الشام ومنها فلسطين مرتع الروم و اليهود – الذين حالوا دون تثقيفهم بالعقيدة الإسلامية التوحيدية      و فكرها الصحيح -  كيف تمكنت و واليها معاوية الأموي – من الخروج و البغي على خليفة زمانهم – خليفة المسلمين الرابع –علي بن أبي طالب – ولي الله – وعضو العترة – و بطل جميع معارك إسلام التوحيد ضد الشرك و الكفر – و كذلك كيف تمكنت الشام فلسطين من قتل أهل بيت رسول الله و سبيهم في كربلاء – و كيف تمكنت الشام فلسطين من تصفية المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية و دولة التوحيد من صحابة رسولنا الحبيب من المهاجرين و الأنصار بقتل ألف واحد منهم و سبي واغتصاب فتياتهم و نسائهم – و إن الغرض والهدف من اغتصاب النساء هو تدمير المروءة و العزة و الكرامة عند صحابة التوحيد و ابعادهم عن التمسك بالإيمان و التقوى و العدل و الحق و عن الدعوة إلى إنكار المنكر و الأمر بالمعروف لأن نفوسهم قد انكسرت وثلمت بهتك عرضهم – و هل ننسى بعد مرور سنين وصل المتسلط الأموي سليمان بن عبد الملك المدينة المنورة وسأل هل بقي أحد من صحابة رسول الله فجاؤا له بالصحابي – أبي حازم – الذي بلغ من العمر عتيا فسأله ( ما هو رأيك في حكمنا الأموي ) فأجابه ( تسلطتم خلاف الشورى و دون رضا عموم الناس ) فسأله (كيف نصلح أمرنا ) فأجابه ( تبتعدوا عن الكبرياء و تطيعوا الله و رسوله ) و هذا صحابي واحد فكيف بالألف صحابي الذين استشهدوا قتلاً و تسميماً .

                   و مثل هذا – هتك العرض – يحصل حتى في يومنا الحاضر – و إن وسائل الإعلام تتداول القليل منه – و إنّ الكثير تتداولها الألسن في جميع كيانات العالم الإسلامي – و لكننا قد اطلعنا من خلال وسائل الإعلام – الصوتية و المرئية – في شيشان الإسلام عندما قام أحد الضباط الروس و هو – برتبة عقيد – باغتصاب فتاة مسلمة عمرها – ثمان عشر سنة – و بعد ذلك قام بقتلها بعد أنْ مثل بها بتقطيعها – لماذا أيها الروس اغتصبتم الفتاة المسلمة المسكينة – و الجبارة بدينها وإيمانها بالتوحيد – و لماذا بعد الاغتصاب القتل و التمثيل بها – فإذا كنتم تريدون قتلها لأنها تناضل و تكافح ضد كفركم دفاعاً عن إسلامها التوحيدي فلماذا حصل اغتصابها – و لكن أحد زعماء شيشان الإسلام و يدعى – شامل باسليف – قد أعلن بأنّ لديه – تسعة أسرى – من الضباط و الجنود الروس – وعرض على روسيا استبدالهم بهذا الخنزير المجرم العقيد الكافر الذي ارتكب جريمته الشنعاء – الاغتصاب و القتل و التمثيل -  و إن جميع حكام الكيانات الإسلامية ومخابراتهم و أمنهم العام و الخاص وحرسهم الوطني و في قصورهم و خيمهم – قد سمعوا بهذه الجريمة النكراء فماذا عملوا و ماذا نريد منهم أنْ يعملوا و هذه الجرائم تحصل عندهم وفي كياناتهم و لعلها في بيوتهم – و مثل ما  حصل في شيشان الإسلام حصل في البوسنة و الهرسك و فلسطين الذبيحة اليوم بغل و غدر اليهود الصهاينة وعلى مسمع من عملاء الدولة الإسرائيلية .

 

                   و اليوم – دعاة وحركات الدفاع عن – الصحابة  و السلف – و لافتاتهم ترفع باسم الصحابة والسلف -  و ليس الدفاع عن عقيدة الإسلام التوحيدي و فكرها المنبثق عنها – و نقول لهم -  و أنتم تحملون أسماء فئوية ضيقة و هذا الاسم هو تفريق و  حرب على الإسلام التوحيدي الإنساني – عن أي صحابة و أي سلف أنتم تدافعون – هل عن الألف صحابي و نساءهم الصحابيات الذين قتلوا و اُغتصبنّ في باب طيبة المدينة المنورة – أم عن الصحابة و السلف الذين كانوا متسلطين في الشام و لم يفهموا الحلال و الحرام و الذين تسببوا في جريمة باب طيبة – و هل معاوية ليس من الصحابة أم عمر بن سعد بن الوقاص ليس من الصحابة ولا عبد الله بن زياد بن أبيه ليس من السلف اللذين قادا جيوش يزيد و قتلوا أهل بيت رسول الله في كربلاء – وهل لم يكن الحجاج من السلف و قد ضرب الكعبة بالمنجنبق و أعدم الصحابي عبد الله بن الزبير في الكعبة وهو أول صحابي ولد في السنة الأولى من الهجرة و سماه رسول الله ( عبد الله ) في حين إنّ الله تعالى – يوجب على الدعاة – حملة الدعوة – الدفاع الفكري و العقائدي التوحيدي – وليس الدفاع المادي التسليحي أو المقاومة المسلحة و العنف – الدفاع عن – الأعمال و الأقوال الصالحة شرعاً و عن الأحكام الشرعية و الفكر الإسلامي المنبثق عن عقيدة التوحيد – و ليس الدفاع عن الأشخاص الذين ينتظرون يوم الحساب .

 

                    ونسأل و نقول – لماذا حصل كل ذلك من بني أمية – و من أهل الشام و فلسطين -  هل كانت – مسألة عفوية – و اجتهادية – أم أنها مسألة – مخطط – لها – وضع خطتها أعداء الإسلام – و نفذها بنوا أمية – و إن التأخر و الانحطاط الذي تعيشه اليوم الأمة الإسلامية المجزأة كانت تلك بدايته – و هل إنّ الخليفة الأول الصديق لا يعرف -  أبواب الزكاة – التي تصرف عليها – حاشاه إنه يعرفها و يعرف – بني أمية – إنهم من – المؤلفة قلوبهم – و يعرف كذلك الباب الذي يستحقونه من الزكاة – و يعرف إنّ – أكياس أموال الزكاة – لا يجوز أنْ تعطى لهم جزافاً – و يعرف إنّ -  المال قوة – و حتى الشخص العادي يعرف – المال قوة -  إذاً – النفس قوة و المال قوة – لذلك قال الله تعالى { إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم ) (التوبة 112)  فالله تعالى قد اشترى – القوتين – معاً من – المؤمنين و ليس من المسلمين – و هذا بنص قرآني صريح – المال قوة – لذلك اشتراه الله للجهاد به و ما هو ثمن الشراء – بأنّ لهم الجنة -  اشترى القوتين – النفس والمال – للمؤمنين لكي { يقاتلون في سبيل فيقتلون و يقتلون وعداً عليه حقاً } للجهاد و نشر دعوته في دولته و الدفاع عنها – و يعرف  من هم الذين -  يحمون دعوة و دولة الإسلام -  غير الذين – حملوا الدعوة و أقاموا الدولة الإسلامية صحابة رسول الله من المهاجرين و الأنصار – و ليس من حارب الدعوة و الدولة – لذلك لا يجوز القول ( إنّ الخليفة الأول الصديق قد أعطى الأموال و المناصب إلى بني أمية – اجتهاداً  فأخطأ  ) و إنّ الصحيح المعذور هو ( إنه أعطاهم الأموال و المناصب  اضطراراً ) لأنّ الاجتهاد لا يجوز أمام النصوص القرآنية و السنة النبوية الشريفة .

                   و إنّ المسلمين اليوم عندما يريدون ( مدح صحابي أو صحابة – تحيزاً و تعصباً و ليس تقوى وإيمانا أو تطبيقاً للأحكام ) يقولون ( إنّ هذا الصحابي أو ذاك قد تبرع بجميع أو بنصف أو ربع - أمواله – لنصرة الدعوة الإسلامية و الدولة الإسلامية – و يتغاضون عن سبب  إعطاء الأموال إلى بني أمية الذين لا يملكون أي حرص على الدعوة و الدولة ) و كذلك – ينسون -  إنّ أولئك الصحابة الذين تبرعوا – كانوا قد باعوا الأموال و الأنفس إلى الله تعالى – بثمن – و ليس -  بمنّة – و لا حتى – بتبرع – إذا كانوا قد صرفوها بدون إيمان و لا تقوى – و لذلك قال رسول الله الحبيب < خيرُ مالٍ صُرفَ في سبيل الله مال خديجة >  تأييداً لقوله تعالى { و لسوف يعطيك ربك فترضى } ( الضحى 6 ) -  أعطاه و أرضاه بأموال خديجة -  وإنّ الصحابية خديجة – لا تُمدح – من خلال صرف أموالها في سبيل الله و إنما – تمدح – من خلال إيمانها وتقواها وأعمالها الصالحة و صبرها في حصار شعب مكة الكافر إلى درجة الاستشهاد – و يظهر من الحديث الشريف – إنّ للأموال التي تُصرفْ في سبيل الله – درجات – و إنّ أموال أم المؤمنين الصحابية خديجة – خير الأموال و أعلاها درجة – من أموال بقية الصحابة – لأنّ أموال خديجة الكبرى -  صُرفتْ – أثناء الدعوة الإسلامية وقبل الفتح – { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا } ( الحديد 11 ) .

                   المهم هو إنّ ( المال و النفس – قوة ) – إذا تبرعوا بها  أو  باعوها إلى الله تعالى – و إنّ – بيع الأموال – إلى الله تعالى فيه -  دلالة – قوية على الإيمان و التقوى و التضحية   في سبيل الله – و لنترك ذلك قليلاً – و نذهب لتتبع ( الأموال )  في حياة و سيرة رسول الله محمد الحبيب – فقد كانت – قوة النبي – ليس بالمال و إنما في – شخصيته – { و إنك لعلى خُلُقٍ عظيم } ( القلم 4 )  و قوته – بالحق – { و بالحق أنزلناه وبالحق نزل و ما أرسلناك إلا مبشرا و نذيراً } ( الإسراء 106 ) – إذاً كانت -  قوته – في – أخلاقه و الحق الذي نزل – قبل السلاح و المال – لأنّ نبينا الحبيب كان – يتيم الأبوين – بلا مال – و يرعى الغنم و الأنعام – وهذا ما أيده الله تعالى في سورة ( الضحى )  {  أ لمْ يَجدكَ يتيما فآوى  .  و وَجدكَ ضالاً فهدى  .  و وجدك عائلاً فأغنى } . { و لسوف يُعطيك ربُكَ  فترضى } . { و للآخرةُ خيرٌ لك منَ الأولى  }  و من باب أولى للصحابة والسلف و التابعين و الناس  - الآخرة – خيرٌ – من الأولى و الدنيا – هذا هو واقع رسولنا الحبيب ونبينا الشريف – محمد بن عبد الله الهاشمي – القدوة و الأسوة الحسنة للصحابة و الناس – و هذا هو واقعه من الناحية – المالية – يتيماً و عائلاً – و لكنه غير الدنيا و جعل الناس في الدنيا غير أولئك الناس – و إنّ واقع -  اليتيم و الإعالة – يجعل الإنسان يخلد إلى -  الهدوء و التأمل و التفكير و البحث – في – الكون والإنسان والحياة – و يفتش عن – المعلومات السابقة – ليحصل على – العقل المستنير و التفكير السليم – لذلك فإنّ الله جلت قدرته قد – هداه و أغناه – و أعطاه و أرضاه – بماذا – علمه البيان – و أعطاه – زوجة شريفة كلها حياء – خديجة الكبرى – الرجل و المرأة دائماً معاً – عمره خمس و عشرون سنة و عمرها أربعون سنة  – خديجة التاجرة الأولى في مكة و المليئة و الغنية – و كانت قافلتها التجارية و رأس مالها تعادل قوافل قريش جميعاً في أكثر الأعوام – و بالإضافة إلى ذلك  كنا نسمع و نشم من هذه العلاقة الاجتماعية – بين الرجل والمرأة و بين الزوج و زوجته – المثل العليا و المسك الطيب و العنبر الزكي – روائح و نسمات ترغمك على أنْ يعدم عندك  - التفكير بالجنس و التهتك و الفساد الاجتماعي – و هذه – التركة – هي التي قد  ورثتها منها ابنتها – الصحابية فاطمة الزهراء – قدوة نساء العالمين .

 

                   و عندما أمر الله تعالى رسوله الحبيب بتبليغ رسالة الحق و العدل إلى الإنسانية – قال له في – سورة العلق { إقراْ  باْسمِ ربكَ الذي خَلقَ } و من ثم قال له في سورة المدثر { قم فأنذر } و أولاً  { و أنذر عشيرتك الأقربين } لذلك فإنّ أول من صدقه – امرأة – زوجته الصحابية خديجة صدقته و مدته و أغنته بجميع – أموالها – بعد أنْ منحته حبها  له أكثر من حب نفسها و غمرته بحنانها و الأهم هو حياؤها – و بعد هذه الأعمال و ما أنفقته من أموال كانت قد وضعت في خدمته – خادمها زيد – هدية منها له و الذي جعل منه صحابياً و من ابنه أسامة قائدا لجيش المسلمين -  و قبل البعثة و الدعوة – كان قد تكفل بإعالة و تربية – ابن عمه – علي بن أبي طالب – وهو طفل – وضمه إلى  – عائلته – كلها علاقات إنسانية واقعية – و لكنها – تخطيط رباني – مسبق – لتصنيع – الخلية الأولى – للحزب و التكتل و الدعوة – قم و أنذر  و أنذر عشيرتك الأقربين  و أشدد به أمري إلاّ  لا نبي بعدي – و إنّ – زيد – الذي انتقل من خدمة – خديجة – إلى خدمة – محمد الرسول – فتبناه وأصبح – زيد بن محمد – لذلك فإنّ الله جلت قدرته قد ألغى التبني فأصبح – الصحابي زيد بن الحارث – فهل هذه كلها أمور قد جاءت – عفوية – أو صدفة كما يقول أصحاب النظرية المادية – أم أنها – تخطيط و تصنيع رباني والتشريع العملي الإنساني { فلما قضى زيدٌ منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ في أزواج أدعيائهم } ( الأحزاب 37 ) .

                   و من هذا – المخطط و التصنيع و التقنية الربانية -  يتيماً  و عائلاً  و أمياً و ضالاً – قد نقله الله جلت قدرته إلى أن أغناه  و أعطاه  و علمه البيان  و هداه  فأرضاه – و من ذلك يظهر لكل مؤمن و تقي – إنّ رسول الله الحبيب – لم يكن ابتداءأ – بحاجة إلى – أموال الصحابة -  لا لنفسه و لا لدعوته لذلك قال < خير الأموال صرفت في سبيل الله أموال خديجة > - و لكن بعد أنْ اجتازت الدعوة الإسلامية مرحلة و مراحل          و أقيمت – الدولة الإسلامية – في المدينة المنورة و تشكيل الجيوش فقد أصبح الواقع يتطلب جمع أموال لصرفها على منافذ عديدة – و رغم ذلك نلاحظ إنّ رسولنا الحبيب كذلك لم يكن بحاجة إلى المال لنفسه بدليل – إنه قد تآخى مع – الصحابي علي و عائلته – في حين طلب من الصحابة المهاجرين و عوائلهم التآخي مع الصحابة الأنصار و عوائلهم – و بعد هذا التشريع الرباني العملي – فقد نزل الحق – الإعلان { إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم } و بعد أنْ أمره الله تعالى – بالجهاد و القتال -  و تجهيز الجيوش { و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ( سورة الأنفال- مدنية 61 ) – لذا فإنّ الله سبحانه قد نشر – إعلانه – عن رغبته بشراء – الأنفس و الأموال – من المؤمنين -  و يقابله -  إنّ قريش – منهم بني أمية- كانوا يحاربون ويقاتلون الله و رسوله بأنفسهم و أموالهم الكافرة – و من ثم نعوضهم بالأموال و المناصب على ما قاموا من كفر و ظلم و فسق – أم كان يجب صرف الأموال التي تورد للدولة من ابواب توريدها و الغنائم على المؤمنين الأتقياء وبناء البلاد و الدولة .

 

                    و بعد الإعلان الإلهي عن شراء النفس و المال و الإذن بالحرب بعد إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة -  فقد أستشهد – ابن عم الرسول عبيدة بن الحارث – في أول معركة بدر الكبرى مع شهداء بدر أربعة عشر شهيد – و أما في غزوة مؤتة فقد أستشهد ابن عمه جعفر الطيار – و في معركة أحد استشهد عمه حمزة و معه الكثير من الصحابة أحدهم مصعب بن عمير – و كان الرسول يوقي الصحابة و يحافظ عليهم بأقاربه و أهله الأبطال و يحميهم بهم – و ليس كما يفعل المتسلطون و العملاء يحمون أنفسهم و أقاربهم ومؤيديهم بعامة الناس – و هناك الكثير من الصحابة قد باعوا أنفسهم و أموالهم إلى الله سبحانه – إذاً لماذا أعطى الخليفة الأول الصديق – الأموال و المناصب – قوة و قوة ضخمة – إلى بني أمية بني سفيان – و كان العطاء جزافاً – أكياس أموال الزكاة – و هم الذين حاربوا الله و رسوله و الإسلام قبل إسلامهم مضطرين .

                   و نكرر لماذا أعطى – الخليفة الأول بعد رسول الله – الصديق ( المناصب ) و المناصب – قوة – بل و أكثر من -  قوة مادية و سلطوية – و قد أعطاهم هذه المناصب – بالوراثة – أولاً – أعطى منصب ولاية الشام إلى يزيد بن أبي سفيان و بعد وفاة يزيد أعطى نفس المنصب إلى شقيقه معاوية بن أبي سفيان -  أخ يرث أخيه بالمنصب – لماذا يا أيها المسلمين غير أنه كان – مضطراً – لذلك وهل لهذا النوع من الاضطرار جواز شرعي – و إنّ الشام هي في – أحضان الروم و اليهود  و إنّ الذي يعمله اليهود اليوم  بالفلسطينيين المسلمين هو امتداد لذلك اليوم – و لو كان هؤلاء – بني أمية – من المؤمنين الأتقياء لكان هناك شيء من الحجة و ليس كل الحجة – و لكنهم من الطلقاء و تقصد رسول الله أنْ يصرف لهم رواتب المؤلفة قلوبهم لكي تكون مثل الوشم و علامة على ضعف الإيمان و لكي لا يجتهد المسلمون – بفكرة حسُنَ إسلامهم -  و رغم كل ذلك فإنّ رجال الدين وعاظ السلاطين تراهم يهتمون بالصحابة و السلف الذين استلموا السلطة و يتركون الصحابة و السلف الذين ثبتوا و لم يغيروا أو يبدلوا .

 

                   إنّ فكرة – المال قوة -  ليست خافية على – بني أمية – فهم يفهمونها بكل وضوح – وقد عاشوها في الجاهلية – و يعرفون مدى تأثيرها في – العلاقات الاجتماعية و السياسية – و الله تعالى قد أخبر وعلم المسلمين بأنّ – المال قوة – من خلال الكثير من قصص الطغاة و الأمم – حيث شرح لنا موضوع – الطاغية فرعون – و بنفس الوقت شرح معاصره – قارون الأموال -  و شرح  بأنّ – المال قوة – و كيف – تضعف أمامه – العيلة و عائلاً – و قد تستسلم أحيانا لقوة المال – إذا لم يدعمها الفكر العقائدي التوحيدي – تلك في المجتمعات السابقة – و كيف هو دورها اليوم في المجتمعات المعاصرة مثل – أمريكا – حيث – القوة المالية – تفعل فعلها في الانتخابات الرئاسية – الديمقراطية – و غير الرئاسية و غيرها من الأمور السياسية – و كيف إنّ المرشح للرئاسة الأمريكية يحتاج إلى مائتي مليون دولار لكي يخوض الانتخابات و هنا تعمل عملها الشركات و اللوبيات  - وحتى في كيانات العالم الإسلامي و الفراعنة الصغار و الموالين لهم و العملاء يعرفون و يفهمون مدى تأثير – المال قوة – في واقعهم و سيطرتهم – وابتداءاً فإنّ الفرعون الكبير يختار العملاء والطغاة من – الجياع و المعدمين – جنباً إلى جنب مع عملائه السابقين الذين أصبحوا أغنياء – و إنّ الصنف الأول هم الذين يقدمون له ولاء الطاعة و ينفذوا ما يريده من جرائم و كوارث إبادة و دمار يلحقونها بشعوبهم و يسلموا تسليماً عندما يتذكروا جوعهم و حرمانهم – و لكن بمجرد سيطرتهم و استبدادهم تراهم سريعا ما يجردون الأغنياء من أموالهم أو يشلون قوتهم – خاصة الأغنياء غير الموالين لطغيانهم – و يغتصبون تلك الأموال إلى أنفسهم و أقاربهم و أعوانهم لتثبيت تسلطهم و حمايته – و لكن الفرعون الكبير يعرف كيف ينهيهم و يسحب البساط من تحتهم مثلما جاء بهم -  و قد حصل ذلك مع الكثير منهم نوري السعيد و جمال عبد الناصر وجماعته الضباط و أبو رقيبة و العائلة التي تسمى  بالهاشمية في الحجاز و شاه إيران و غيرهم .   

 

 

 

رابعا  -  علاقة الخليفة الأول الصديق  مع  الصحابية فاطمة الزهراء

                   و العترة – أهل البيت – من  ناحية ( المال قوة ) 

 

                   قال العلي العظيم في سورة ( الأنفال 1 و 42 )  { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للهِ و الرسولِ فاتقوا و أصلحوا ذاتَ بينكم و أطيعوا اللهَ و رسولَه إنْ كنتم مؤمنين  .  و اعلموا إنما  غنمتم من شيءٍ فإنّ للهِ خُمُسَهُ و للرسولِ و لذي القربى و اليتامى و المساكين و أبن السبيل إنْ كنتم آمنتم بالله و ما  أنزلنا على عبدنا يومَ الفرقان يومَ التقى الجمعان و الله على كلِ شيءٍ قدير } ( و إصلاح ذات البين - وردت قبل – المال و خمسه لله و الرسول )  وإنّ رسول الله الحبيب قال <  خيرُ نساء العالمين  أربع – مريم بنت عمران – و آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون – و خديجة بنت خويلد – و فاطمة بنت محمد >  -  هذه نقاط و ثوابت يجب ملاحظتها هنا في بحثنا السياسي  هذا .

 

               و إنّ من أعمال – الخليفة الأول أبي بكر الصديق – السياسية و المالية – فقد جاءته ( الصحابية الجليلة – العفيفة و المتعففة – وعضوة العترة – و سيدة نساء العالمين – فاطمة الزهراء بنت محمد رسول الله الحبيب ) و كانت في ريعان شبابها – و هي (  بنت التاجرة الأولى في قريش مكة – الصحابية خديجة الكبرى – التي أنفقت و صرفت جميع أموالها في سبيل الله ) و <  و خير المال صُرف في سبيل الله مال خديجة > – هذه هي – الصحابية فاطمة الزهراء البتول – المجاهدة لنصرة الإسلام     و المسلمين – و هي صحابية من المهاجرين – و لم تكن كافرة في أي يوم من الأيام – و عاشت في بيت النبوة و الأحكام الشرعية – و شاركت في أكثر المعارك التي شارك فيها أبوها رسول الله الحبيب و زوجها بطل المعارك الإسلامية و التوحيد ضد الكفر و الشرك .

                   جاءته تطلب منه أنْ يورثها -  ارثها -  من أبيها محمد رسول الله الحبيب   – أرض فتك – وهي بساتين – أساسها شجرة – و قد وردت عن هذه الشجرة روايات متعددة ومختلفة – و حيث إنّ بحثنا هذا سياسي فنأخذ الروايات -  المتفق -  عليها من عامة المسلمين – و إنّ -  فتك – لم تؤخذ -  بالفتح – لبعدها عن المدينة المنورة و عن خيبر – و لا بالصلح – و إنما قدمها أهلها إلى رسول الله الحبيب – طواعية -  إذاً  هي التي تملكها والدها الحبيب من اليهود – بعد فتح خيبر ببطولة زوجها الصحابي علي في معركة خيبر – المعركة التي – تقصد – الله سبحانه بقضائه و قدره – أنْ  يكون النصر فيها على  يد – زوجها -  بعد استبدال عدد من القادة – المعركة التي  قال فيها رسول الله حديثه الشريف بحق الصحابي علي < لأعطين الراية غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولهَ ويحبهُ اللهً ورسولهُ > و إن حديث الحب هذا لم ينل  مثله أي صحابي من صحابة رسول الله الحبيب .

               و نقول – صحيح إنّ المال قوة – و لكن نحن المسلمين المؤمنين الأتقياء لمن نعطي – المال قوة – إذا استثنينا أبواب الصرف الشرعية الثمانية – هل نعطيه إلى من يوزع ويصرف و ينفق أمواله في سبيل الله و اليتامى و المساكين و الفقراء و ابن السبيل  - والصحابية فاطمة تفعل ذلك بمال أبيها و مال زوجها – و كذلك بالمال الذي تورثته من أمها  خديجة التاجرة الأولى و إنّ الذي تورثته هو فقط فراش نومها لأنه لم يبق مال لأمها  وقت وفاتها و كله صرفته في سبيل الله – و حتى فراشها الذي تورثته أعطته بعد زواجها إلى إحدى الفقيرات – أم نعطي المال إلى الذين حاربوا الإسلام التوحيدي و حاربوا المسلمين الموحدين بأموالهم إلى آخر لحظة و أصبحوا من الطلقاء والمؤلفة قلوبهم و كذلك يصرفون أموالهم على الشهوات و الملذات و هتك الأعراض  و شراء الذمم – فقد اشترى – معاوية – ذمة قائد جيش الخليفة الخامس الحسن بنصف مليون دينار فهرب القائد من جيش الخليفة إلى جيش معاوية .

 

                   و الصحابية فاطمة التي طالما نامت الليالي بدون طعام لأنها وزعت في تلك الليلة طعامها وطعام أولادها و زوجها على المساكين و الفقراء و السائلين – فأنزل الله تعالى بحقهم و حق من اقتدى بهم قوله {ويؤثرون على أنفسهم } ( الحشر 9 ) و كذلك قوله سبحانه { قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى } ( الشورى 23 )  فهل هذا القول الكريم يصعب فهمه و إنّ الخليفة الصديق في مقدمة من يفهمه – في حين إنّ بني أمية قد فهموا هذا القول الكريم و حكمه الشرعي بمعنى القتل و دس السم لأهل و قربى  الرسول الحبيب – بدل المودة فيهم . 

                   و إنّ الصحابية فاطمة الزهراء هي أحد الخمسة الذين قد – باهل رسول الله الحبيب بهم الكفار حسب قوله تعالى { فمن حاجك من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ  أبناءَنا و أبناءَكم و نساءَنا و نساءَكم و أنفسَنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } ( آل عمران 61  ) – فأخرج رسول الله الحبيب معه ( علي و فاطمة و الحسن و الحسين ) و قال < اللهم هؤلاء أهلي >  فهل إنّ هذا -  العمل في المباهلة وأشخاصه ليس من السنة النبوية و لا من التشريع و لا من الرسالة و إنّ رسول الله يقول <  إني أمرتُ وحللتُ و حرمتُ  أكثر من القرآن  > .

                   و إنّ الصحابية فاطمة هي أحد الخمسة من ( أهل الكساء ) بعد نزول آية ( التطهر من الرجس ) في قوله تعالى  {  إنما يريدُ الله ليذهب عنكم الرجسَ أهل البيت و يطهركم تطهيراً } ( الأحزاب 33 ) فجاء رسول الله بكلٍ من الصحابة ( علي و فاطمة و الحسن و الحسين ) و أدخلهم معه ( تحت الكساء ) و قال <اللهم هؤلاء أهلي >  - و إنّ الواقع قد أثبت بأنّ – إرادة الله – بالتطهير و ذهاب الرجس – قد اختص به هؤلاء فقط .

                    وإنّ بعض الفئات الإسلامية العظيمة و ليست بالقليلة – و بسبب – توجهاتها السياسية            و انحيازها مع بعض الصحابة أو السلف – كأشخاص – و ليس مع أعمالهم و أقوالهم الصالحة و المتفقة مع الأحكام الشرعية – قد خسرت رحمة الله – التي أرادها الله تعالى للمسلمين و الإنسانية  في عمل رسول الله الحبيب في سنته – تحت الكساء – و إنّ الكساء ليست خيمة قماش و الدخول فيها للراحة و الاستجمام – وإنما عمل و واقع مادي ملموس و مصحوب بحديث شريف ليكون رحمة و شفاء للعالمين – فلا يجب أنْ يمر به المسلمون مر الكرام – و لو إنّ تلك المذاهب الإسلامية قد سألوا أنفسهم – لماذا  أدخل رسولنا الحبيب – الصحابية فاطمة – و هي امرأة – تحت الكساء – مع الرجال – فهل ليس بمقدور رسولنا الحبيب اقتصار – هذا الاجتماع – على الرجال دون النساء – و قد منع فعلاً – زوجته أم سلمة – من الدخول و حضور الاجتماع – والكساء كان في بيتها وهي التي نقلت  السنة بهذا العمل و الحديث الشريف إلى المسلمين – و لكنه عليه السلام تقصد بإدخال – المرأة فاطمة – و إشراكها في الأعمال التشريعية و الفكرية و السياسية – و قد تقصد بعمله هذا – سنته – ضرب و تحطيم الفكر الفاسد – فكر أعداء الإسلام و الكفار – القائل –( إنّ الإسلام لا يعطي للمرأة حقوقها و إنه يضطهدها و جعلها مستعمرة للرجل و لا يشاركها في السياسة – في حين هو الذي حرم وأدها – دفنها حية )  و  ( إنّ الإسلام قد جاءنا بامرأة – أمثولة و قدوة للنساء و سيدة نساء العالمين – ليعطي للمرأة مكانتها العالية و الراقية و دورها السياسي في الحياة – سواء بسواء مع الرجل في جميع مظاهر الحياة في الحقوق و الواجبات – لهنَّ مثل الذي عليهن – و بشكل عادل ) لذا فإنّ أيَّ فئة إسلامية – مهما كان نوع تنظيمها – لا تتعمق في دراسة هذا ( العمل – السنة – و أمثاله من الأعمال ) و لا تريد أنْ تفهمه – تعتبر – فئة أو فئات – منحرفة – و قد خسرت الرحمة و الشفاء و الرجس على الذين لا يعقلون – و إنّ من ينحرف و من يخسر قسط من الحياة – لا يمكن أنْ ينهض النهضة الصحيحة و لا يمكن أنْ يتقدم – لأنه لم يَنصر الله بكل أحكامه و بكل ما يريد وهل سنة رسول الله لا يريدها الله سبحانه – و هذا واضح في قوله الكريم            {أ فتؤمنونَ ببعض الكتاب و تكفرون ببعضٍ فما جزاءُ من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا }      (البقرة85) وهل الخزي ليس بخسارة .

                   و الصحابية فاطمة – هي – أحد أهل العترة الأربعة – الذين تركهم رسول الله الحبيب -  ثقل  -  كثقل القرآن و ثقل السنة – في حديثه الشريف < إني  تاركٌ  فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً  > و إنّ هذا الحديث الشريف – قطعي الثبوت – لدى كافة المسلمين – في حين هناك حديث ثاني شريف < أني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله و سنتي ... > مرسل ولم ينقله صحابي و إنما نقله – مالك فقيه المذهب المالكي ليس عن صحابي – المهم هو -  هذان حديثان شريفان  – و أحدهما يكمل الآخر – فالسنة تكمل و تفسر القرآن في أحكامه الشرعية و تحرسه وتحميه من البدع و التأويل – فالقرآن المجيد – ثقل - و السنة النبوية – ثقل - و كذلك – أهل البيت – العترة – علي وفاطمة و الحسن و الحسين – جهاز قد تركه رسول الله -  ثقل – لنصرة الحق و حماية و حراسة و تفسير – الثقلين الآخرين – القرآن             و السنة – من البدع و التأويل و التلاعب و الضياع و الافتراءات - فأصبحت – ثلاثة أثقال – القرآن و السنة   و العترة – فالعترة – إذاً  هي جزء من التشريع الذي وضعه الله و رسوله { و ما آتاكم الرسول فخذوه } .

                   و قد عاشت -  العترة – لمدة – خمسين سنة – بعد وفاة رسول الله الحبيب – حيث إنّ الصحابية فاطمة قد توفيت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها الرسول الحبيب – و الصحابي علي – قد توفي بعد حوالي ما يقارب ثلاثين سنة يحمي و يحرس و يفسر القرآن و السنة – بوظيفتين و مهمتين – الولاية و العترة – والصحابي الحسن قد توفى بعد أكثر من سبع و ثلاثين سنة – و الصحابي الحسين قد توفى بعد خمسين سنة – نصف قرن – و هو آخر شخص في العترة – فهل إنّ هذه المدة – نصف قرن – غير كافية لحراسة و حماية وتفسير – القرآن و السنة و تثبيتهما – في حين  إنّ رسول الله الحبيب قد  بدأ الدعوة و أقام الدولة و انتهت حياته معهما بمدة ( ثلاث و عشرين سنة ) .

 

                   فهل إنّ –  فاطمة الزهراء – و هذا واقعها – صحابية و أحد حراس القرآن و السنة في العترة – لا تستحق – المال قوة – لدعم – مهمة العترة – العظيمة التي كلفهم بها الله و رسوله – و قد صنعهم – الله جلت قدرته لها- خاصة و إنّ أهل البيت – تحرم عليهم الصدقات – و إنّ مهمة و وظيفة – العترة – قاصرة على التشريع ومن بعد التشريع الإنسان – و أما مهمة و وظيفة – الخلافة – فإنها تخص الإنسان و تطبيق الشرع عليه – و إنّ جهاد العترة – هو غير الجهاد في الحروب – و إنّ الجهاد في الحروب هو – الجهاد الأصغر – و قد خاضه زعيم العترة – و قد انتصر و فاز به – و أما – جهاد العترة – هو – العين الحارسة والصراع مع الباطل و مع النفس لكي تستمر نفوسهم – بالتزام التقوى – و طلاق الدنيا و حلاوتها و زينتها – فهذا هو ( الجهاد الأكبر ) .

 

                   و الصحابية فاطمة -  هي – الفقيهة - و مرة دخلت مع مجموعة من النساء الصحابيات إلى مجلس رسول الله الحبيب فوجدنَّ عنده رجل جالس – فرجعت الصحابية فاطمة و لبست المزيد حول رأسها ورجعت إلى مجلس أبيها – فقال لها الرسول الحبيب ( لماذا رجعتِ – إنّ الرجل الجالس معي هو – ابن مكتوم – مكفوف النظر )  فأجابت أبيها ( إنّ الله تعالى يقول في قرآنه – و قل للمؤمنات يغضضنّ من أبصارهنّ – وليس فقط – قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم  )  فنهض رسول الله الحبيب و ضمها إلى صدره و قال لها (روحي فداك يا فاطمة ) – و هذا هو – التطهير الرباني – و إنّ غض البصر – فيه – تقوى – و – جهاد احتياطي – أكثر من ارتداء الملابس – جلاليب ستر العورة – و إنّ في الشريعة الإسلامية يوجد حكم شرعي هو – وجوب ستر العورة – و لا يوجد فيها مصطلح – السفور و الحجاب – و إنّ مصطلح السفور و الحجاب هو مصطلح غير شرعي و غير إسلامي – و إنّ أعداء الإسلام هم الذين أدخلوا مصطلح – السفور و الحجاب عند المسلمين ليفسدوا مفاهيمهم الإسلامية – الحكم الشرعي وجوب ستر العورة – لذلك نرى الكثير من النساء تعرّينَ بسببه – و لو بقى المفهوم الإسلامي هو السائد لما ترى أية امرأة تجرأ على – هتك العورة      و عرضها .

                    و الصحابية فاطمة الزهراء لم تضع – الحلي الذهبية – على جسدها -  قط – رغم عدم تحريمه على النساء شرعاً – و رغم ثراء والدتها و إمكانية والدها – و الصحابية فاطمة قد صنعت ثوباً جديداً – واحداً  فقط – ليوم عرسها و زفافها – في السنة الثانية من الهجرة – و في اليوم التالي جاءت إليها فقيرة تسألها فأعطتها – ثوبها الجديد – و رجعت إلى ثوبها القديم – يا أمة محمد رفقاً بأهل البيت – العترة – منْ منا يتمكن على جهاد نفسه مثلما – فعل أهل البيت – أو منْ  منا يتمكن أنْ يربي – بنتً أو ولداً – بمثل هذه – التقوى – وهذه العفة – وهذا التقشف – الرضا بثوبٍ واحدٍ في – ليلة العرس – هذه هي التقوى – وهي الرضا بالقليل .

 

                   و إنّ – ولادة الصحابية فاطمة – و صنع واقعها من قبل الله جلت قدرته { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس } التشريع الإلهي و الرد العنيف و القاطع على السلوك الفاسد و العادات البغيضة التي كانت موجودة عند المجتمع العربي الجاهلي و المجتمع العالمي و المجتمع المدني – منها مثلاً – عادة نادي العراة للجنسين في الكعبة رغم تعدد و كثرة الآلهة فيها – و عادة  وأد البنات – دفنهن أحياء { و إذا المؤودَةُ سُئلتْ بأي ذنبٍ قُتلتْ } ( التكوير 8 )  خوفاً من عار المرأة – و بولادة فاطمة – كان الرد العنيف و الدعم العملي الثابت للآية الكريمة { و إذا المؤودةُ سُئلت } .

                   و إنّ رسول الله الحبيب – قد رُزق من – خديجة الطاهرة سيدة قريش – أبناء – القاسم والطاهر – و توفيا في طفولتهما – و لكن و بعد عمر – خمس عشر سنة – من زواجه خديجة حيث أصبح عمرها – خمس و خمسون سنة – و هذا هو سن اليأس عند معظم النساء – فقد –حملت خديجة – لماذا حصل ذلك فليتدبر ذلك المسلمون – حملت و رُزقت ببنت أسماها رسول الله – فاطمة – و معناها – القطع – و إنّ – خديجة – لم تدخل عليها أية امرأة لمساعدتها في الولادة و ما بعدها -  و دبرت نفسها بنفسها و  بعيداً عن ما عندها من خادمات – و قد أولت الأم مولودتها المباركة عنايتها الفائقة – و هذا هو عمل – التصنيع الرباني – الذي قصدناه في – تصنيع فاطمة – رغم وجود بنات أخريات لخديجة – رقية و أم كلثوم و زينب -  فلماذا قضت – إرادة – الله جلت قدرته بأنْ لا يبقى لرسول الله أحد من -  الذكور و الأناث -  ما ينافس أو يشارك – فاطمة – في موضوع – أهل البيت  و العترة  و الإرث -  و قد انفردت – فاطمة و ولداها الحسن و الحسين وزوجها علي – حصراً – في – أهل البيت و العترة  و الإرث- و هل هناك غير هذا الذي نقوله – وإنّ قولنا هذا واضح في – القرآن و السنة – فهل لا يمكن للصديق إدراك هذا الواقع فيُورث فاطمة – أموال أبيها – أو يدفع لها من بيت المال – المال قوة – ليرضيها و يُقويها أكثر على إنكار المنكر و الأمر بالمعروف – سبيل الله ورسوله و المؤمنين .

 

                   و كان رسول الله الحبيب يلقب – فاطمة – و يصفها – سيدة نساء العالمين – رداً – على عادة وأد البنات – فسألت فاطمة أبيها ( إذاً – مريم – ماذا تكون و أنت تلقبني  بسيدة نساء العالمين ) فأجابها رسولنا الحبيب <  يا ابنتي – إنّ مريم هي سيدة زمانها > و ينقل عنه إنه كان يلقبها كذلك < يا أم أبيها >  وكلها ألقاب و صفات لتعظيم المرأة و الرد على – وأد البنات – و في هذه الكنية – أم أبيها – نقاش و بحث لدى الفقهاء – لأنّ الله تعالى يقول { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و أزواجه أمهاتهم } ( الأحزاب 6 )  فزوجات النبي – أمهات المؤمنين – الصحابة – حتى – إنّ الصحابية عائشة تعتبر أم أبيها الصحابي الصديق والصحابية حفصة أم أبيها الصحابي عمر – و هذا معناه – إنّ زوجات النبي أصبحن محرمات على – المؤمنين – لأنهنّ – أمهاتهم – و لكن زوجات النبي أمهات المؤمنين – و فاطمة مؤمنة – فكيف تكون سيدة نساء العالمين – و في نفس الوقت – زوجات النبي أماً لها – و لرفع هذا التناقض – فقد لقبها رسول الله – بأم أبيها – فيكون لها – أمتياز على لقب – أمهات المؤمنين – بمنحها لقب – أم أبيها – أم النبي – حتى – تستحق لقب – سيدة نساء العالمين .

                   و قد صدق رسول الله الحبيب عندما لقب – فاطمة الزهراء – بأم أبيها – لأنّ لابنته فاطمة – شبه بجدتها أم أبيها – آمنة بنت وهب – من حيث التصنيع الإلهي للاثنين – لأنّ – أم الرسول - آمنة -  قد تزوجت من والد النبي محمد – عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم – و عمرها ما يقارب – تسع عشر سنة – وقد توفى والده الجليل – عبد الله – و كان رسول الله في أحشائها – ستة أشهر -  و قالت أمه – كنت أسمعه يُسبح في أحشائي – و بعد أنْ  وضعته فقد عاشت معه – ست سنوات – و في السنة السادسة اصطحبها و هي مريضة و  ترافقهم – بركة الحبشية – أم أيمن – القائمة بخدمتهم – إلى المدينة المنورة – لزيارة قبر زوجها – عبد الله – و والد طفلها محمد – و بعد الانتهاء من زيارة – قبر الوالد الجليل – أراد و أمه الرجوع إلى -  مكة المكرمة – و لكن المرض ثقل عليها – و عند احتضارها فقد أوصت ولدها – محمد – و قالت له ( يا ولدي كُنْ رجلاً ) فماذا تحمل هذه الوصية – كنْ رجلاً – و رجع بعد دفنها  بصحبة – بركة أم أيمن – إلى مكة المكرمة – و نقول إنّ الشبه التصنيعي الإلهي قوي جداً بين ( فاطمة – و آمنة ) لأنّ الله جلت قدرته – أراد – أنْ يرسل رسولاً – خاتم النبيين و الرسل – من – البشر – فكيف يصنعه – فالرسول عيسى عليه السلام – قد صنعه بالطريقة التي عرفنا بها القرآن المجيد { قالت أنى يكون لي غلام و لم يمسسني بشرٌ و لم أ كُ بغياً  . قال كذلك قال ربك هو عليَّ هينٌ و لنجعله آيةً للناس و رحمةً منا و كان أمراً مقضياً } ( مريم 22 )  - هذه صناعة و هناك صناعة – يحي – و صناعة – موسى – و صناعة – إسماعيل – عليهم جميعاً السلام – و لكن صناعة رسولنا الحبيب – صناعة طبيعية – من – أب و أم – خلقهم جلت قدرته خصيصاً لصناعة رسولنا الحبيب ويتركونه ( رجلاً ) ليعمل ما لم يعمله -  إنسان و لا الرجال  -  قبله و بعده – قد وضع العقيدة – التوحيد -  وينبثق منها الفكر والأحكام و المفاهيم  -  و قد أسس أول حزب منظم في العالم و أقام أول دولة متحضرة في العالمين – تحت سيادة الشرع الإسلامي – و أمان و سلطة الأمة الإسلامية – و أنهى الرابطة القومية والعشائرية و الوطنية و الاستقلال الوطني – و بنى المجتمع الإسلامي المرصوص – بحبل الله- و هذا هو – الواقع – الذي أوجده رسولنا الحبيب و قد جابه و تحدى به كل من عاداه في العالم – ومن مكملات التصنيع – للصحابية فاطمة – هي  لتكون زوجة للرجل الذي – أصبح – الإسلام كله و قائد للعترة .

                   و إنّ هذه – الألقاب و الصفات – التي منحها الله جلت قدرته كلها تشريع إلهي ليركز بها – قيمة المرأة و حقوقها – و هي رد كافي على عادة – وأد البنات – و هكذا قد تمكن محمد رسول الله الحبيب من أداء رسالته و تغيير – المجتمع العربي الجاهلي الكافر و تغيير أي مجتمع آخر غير عربي و هو متخلف و مشرك – إلى المجتمع الإسلامي  الحضاري  – و صهر المجتمعات المختلفة في – بودقة العقيد الإسلامية – ليصبح مجتمع إسلامي ناهض و متقدم – و ليكون مجتمع قدوة و اسوة و مثلاً يحتذى به من قبل جميع المجتمعات الإنسانية التي تصر على البقاء  في شركها و تخلفها في العالمين  – و هذه هي - إرادة الله – الذي مكن البشرية من فهم القاعدة الفطرية { و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله  أتقاكم }  و  ( لا فرق بين عربي  و أعجمي  إلاّ  بالتقوى ) وهذه – الفكرة التوحيدية – في هذين النصين الشريفين – رد قوي  وعنيف  و نهائي على  – دعاة القومية و القبلية و العشائرية – و هيهات لهم أنْ يجعلوا للرابطة القومية أي مكان في واقع الأفكار و المفاهيم الإنسانية العالمية – الإسلامية –  مهما كان دعم أعداء الإسلام و الكفار لهم و لأفكارهم  – التي  تناقض الفطرة البشرية – فطرة الإنسان .

                   و كان – المشرك القومي العربي – العاص الأموي -  يُعيِّير رسول الله الحبيب و يصفه  – الأبتر – و الأبتر هو الشخص الذي ليس له – ولد -  فنزلت سورة – الكوثر – { إنا أعطيناك الكوثر .  فصلي لربك وانحر .  إنّ شانِئَكَ هو الأبتر }  و هناك من يقول – أعطاه الكوثر و هو نهر في الجنة- و لكن ما دامت الجنة كلها هي  له و مادام الصراع و المعايرة هي حول – الولد – فنحن نميل إلى القول – أعطاه الكوثر فاطمة – فهي تعادل – الأولاد و البنات – و قد أثبت الله جلت قدرته – إنّ الذي يعيرك – شانئك – هو الأبتر – لأنه يستحيل أنْ يصنع – إنسان – مثل صناعة – فاطمة الزهراء – صناعة تزامنت مراحلها مع صناعة مراحل – الدعوة و الدولة الإسلامية – فاطمة حملت بها أمها خديجة و هي في سن اليأس – و وضعتها في السنين الأولى من الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة    و  تزوجت و عمرها – أحد عشر سنة – فأنجبت و عمرها – ثلاث عشر سنة – ابنها البكر – الحسن – في السنة الثانية للهجرة و بعده بسنة أنجبت -  الحسين  - فاكتملت – العترة – باسمين من أسماء الجنة  – و لازلنا – في صناعة – الدولة الإسلامية – و في السنة الأخيرة من الدعوة و الدولة -  و في حجة الوداع – صنع الله جلت قدرته – ولي الله – فأكتمل كل شيء – اكتمل الدين – وتمت النعمة – و هذا هو الإسلام – دعوة و دولة – و يجعل الرجس على الذين لا يعقلون .

 

                   و الصحابية فاطمة – كان النبي عندما تأتيه و هو في  مجلسه يقوم لاستقبالها و يقبلها ويضمها إلى صدره و يجلسها مجلسه – و بهذه  المناسبة – هناك أفكار و مفاهيم في القرآن المجيد لعلها تنطبق على – سيدة نساء العالمين الصحابية فاطمة الزهراء – { فتقبلها ربُّها بقبولٍ حَسنٍ و أنبتها نباتاً حَسناً } و {  اُعيذُها  بك و ذريتها من الشيطانِ الرجيم } ( آل عمران 347 )  - و قد أسرَّ رسول الله – سراً – إلى – الصحابية فاطمة – فقال لها <  أنت أول من يلحق بي  بعد مماتي  > فابتسمت  فاطمة و فرحت بهذه البشرى لأنها سوف تنقل للرسول الحبيب جزء مما حصل من تطبيق أو من تعطيل بعد وفاته مباشرة – و هذا ما أكده ولي الله زوجها بعد أن أكمل غسلها و تكفينها و انزالها في قبرها قال ( فلقد أُسترجعت الوديعة – و ستنبِّئُك َ ابنتُكَ بتظافر أمتِكَ على هضمها فأتحفها السؤال و استخبرها الحال )  .

 

الصحابية ( فاطمة الزهراء ) أحد أعضاء ( العترة ) هي  ( أول صحابي  ) عَمِلَ  و  طبق الحكم الشرعي  (  الأمر بالمعروف  و  النهي عن المنكر  ) مع  ( أول خليفة – أول حاكم )  بعد وفاة رسولنا الحبيب

 

            و نقولُ -  عندما جاءت الصحابية فاطمة الشابة – و هذه هي  ألقابها و صفاتها و مميزاتها -  إلى – الخليفة الأول أبي بكر الصديق -  و تطلب منه – المال قوة – و ليس – النبوة -  وإنّ المال الذي تطلبه هو – ورثها – من ملك أبيها محمد رسول الله الحبيب  - و هو – ملك الله – هنا طبق – الخليفة الأول الصديق – الأحكام الشرعية – خلاف علاقته مع بني أمية – فأجابها -  إني سمعت رسول الله يقول  <  نحنُ معاشر الأنبياء لا نورثُ أحداً و ما تركناه صدقة  >  فأجابته الصحابية فاطمة (  إنّ  القصد من هذا الحديث – عدم توريث النبوة و الرسالة و ليس الأموال  )  فأجابها ( المقصود به المال كذلك ) فأجابته  (  إنّ الآية الكريمة تقول – و ورث سليمان داود – النمل 16  )  فأجابها الخليفة (  هذا الميراث في هذه الآية الكريمة هو ميراث النبوة و الرسالة و ليس المال  ) و بعدها – خطبت بالمسلمين المتواجدين في المسجد  رجال و نساء – و لما انتهت من نقاشها و خطبتها – فقد التفتت إلى الخليفة        و سألته  (  هل سمعتَ حديث رسول الله -  من أغضب فاطمة فقد أغضبني و من آذى فاطمة فقد آذاني  )  فأجابها (  نعم سمعته  )  فقالت له  (  و الله  إنك  أغضبتني  و آذيتني  ) و قد أقسمت – فاطمة – على إنّ الخليفة الصديق قد أغضبها و آذاها و هذا معناه إنه -  أغضبَ        و آذى رسول الله – و نقول ( هنا قد تكررت حادثة شجرة نبينا آدم عليه السلام في بداية مسيرة إسلامنا  ) – فما هو موقف الخليفة أبي بكر الصديق بعد أنْ سمع كلام الصحابية فاطمة بأنه أغضبها و آذاها  (  إنه  بكى  ونزلت من عيونه الدموع  )  و لماذا هذا البكاء -  وإنّ الاعتراف بالحق – هو جزء من الإيمان -  و فيه أجر – و إنّ الخليفة الأول الصديق – قد أخطأ في   توريث - أم الأم - دونَ أم الأب و عندما نبهه بعض الصحابة من الأنصار تراجع الصديق عن الخطأ و أخذ بالرأي الصحيح فورث أم الأم  مع  أم الأب مناصفة بينهما في السدس -  ولكن مع الصحابية فاطمة لم يتراجع – لعلاقة الأمر – بالسياسة العامة – و نحنُ نناقش -  أعمال و أقوال و أحكام -  و لا علاقة لنا بالأشخاص لأنّ الدولة الإسلامية و هي هدفنا بحاجة إلى الأحكام و المفاهيم الصحيحة و إنّ الذي لا يريد إقامة الدولة الإسلامية الواحدة هو الذي يمنع النقاش و يحارب من يقوم به و نحن نقول لهؤلاء إنّ أي انحراف أو مداهنة عن الأحكام الشرعية و الفكر الإسلامي يؤدي حتماً إلى  شرخ و ثُلمة في مسيرة نهضة و تقدم الأمة         و الدولة و يحول دون نصر الله تعالى – و بعد هذه الملاحظة نسأل سؤالنا ( هل المناصب تُورث  ) شقيق يرث أخيه في ولاية الشام – مقاطعة أقتطعت إلى بني أمية لمدة تزيد على خمس و عشرين سنة مع أكياس أموال الزكاة -  و لكن لا تعطى مئات أو آلاف الأمتار إلى – الصحابية فاطمة – وهي من – العترة – وليس من المؤلفة قلوبهم – و بعد ذلك فقد تملك بنو أمية – بستان فتك – لأنها أصبحت لا مالك لها – و لكن في عهد عمر عبد العزيز الأموي – قد أعيدت إلى – بيت المال – خزينة الدولة – و ليس ملك لأهل البيت .

               و من كل ما تقدم – يظهر لكل مؤمن تقي – إنّ هناك ( مخطط ) و ( قوى خفية – و خيوط سياسية متينة )  لتدمير الإسلام و المسلمين – و لا نقصد بالقوى الخفية الخليفة الصديق و إنما هي جهات قد يكون لها تأثير خفي على الصديق  – و تعمل و أول ما عملت هو – إبعاد – المال قوة – عن – العترة و أهل البيت -  لإضعافهم – و تدمير التمسك بهم – و هذا يؤدي إلى – إضعاف – المسلمين المؤمنين و الأتقياء المجاهدين الصابرين على – نشر الدعوة الإسلامية – و حماية الدولة الإسلامية الواحدة – لأنّ أعداء الإسلام قد عرفوا و فهموا – ماذا عمل رسول الله الحبيب – بأموال الصحابية خديجة – عندما أعطاها الله سبحانه له  و أرضاه بها و بمالها – فقد غير الدنيا و ما عليها .

 

               و هذه – أول ضربة – وجهت إلى – العترة أهل البيت -  و قد رافقتها – أول إمداد و دعم – الأموال قوة و المناصب قوة – إلى بني أمية – و سوف نرى ما هو – تأثير – الأول – في الاثنين و في العالمين – و المهم هو – تأثيره  في مصير الأمة الإسلامية الواحدة – و بعد ذلك سوف يقال – إنّ الصحابي معاوية سياسي و داهية – و إنّ الصحابي علي  عميد العترة  فاشل –      و إنّ ولي الله الصحابي علي يقول (معاوية ليس بأدهى مني و لكنه يفسق و يفجر ) – و وعاظ السلاطين يقولون – إنّ جميع الصحابة عدول – منهم معاوية – فهل الصحابي علي قد – أخطأ – فلم أجد حتى يومنا هذا من يجرأ على – تخطئة الصحابي علي – و إلاّ فهل لم يكن بمقدور الخليفة الأول الصديق من إعطاء – المال قوة – لابنة رسول الله و قد جاءت إليه تطلبه و هي ليست من النساء اللاتي يرتدن المجالس و الاجتماعات العامة إلا للضرورة أو لحاجة شرعية -  ومن ذلك يظهر – إنّ الضرورة الشرعية – هي التي اضطرتها إلى القيام بهذا العمل الذي يعتبر بالنسبة لها بمثابة – الجهاد الأكبر – لأنها لم تفعله بالبساطة و إنما فعلته بعد – صراع – نفسي و فكري مع نفسها و مع من تعيش معهم – فتغلب عليها – الشرع – و التقوى – فقامت بعمل طلب المال – و إلاّ  لمنعها زوجها ولي الله و رئيس العترة الصحابي علي .

                   نقول (  لو لم يكن من حقها – طلب – مال ورثها – لمنعها زوجها الصحابي علي – و هو الفقيه الأول في المجتمع الإسلامي بعد رسول الله – و لأقنعها بنفسه أو بواسطة أولادها و أقاربها و منهم الفقيه المرجع الصحابي عبد الله بن عباس – بعدم وجود حق لها – و لكن هل خالفت زوجها رغم ممانعته لها – كلاّ لأنّ ذلك يخالف الواقع  ) – و إنّ الواقع يقول – إنّ الصحابية فاطمة – كانت تقية و ورعة و عفيفة و صاحبة – حياء – و بنت نعمة و غنى – بنت التاجرة الأولى في قريش – و بنت نبوة – و إنّ الأدق من كل ما تقدم هو – عندما كانت الصحابية فاطمة في فراش الموت تحتضر و توصي زوجها الصحابي علي – فقد سألته قائلة (هل عهدتني  كاذبة أو خائنة  ) فأجابها  ( حاشاكِ يا بنت رسول الله ) و سألته كذلك ( هل خالفتك أو أغضبتك  مرة ) فأجابها ( يا أم الحسنين أنتِ نِعْمَ الزوجة الصالحة و لم يحصل منك مثل ذلك طيلة عشرتنا )  فأجابته (الحمدُ للهِ رب العالمين ) -  و إنّ هذا الواقع يثبت – إنّ الصحابية فاطمة – لم تخالف – زوجها علي – و إنه لم يمنعها من المطالبة بالإرث – لذلك قالت ( الحمدُ للهِ رب العالمين ) – و إنّ رأي زوجها الصحابي علي هو – إنها تستحق ارثها – المال – من أبيها محمد رسول الله الحبيب .

 

                   نعم كان بإمكان – الخليفة الأول الصديق – إعطاء – المال قوة – الذي تطلبه – الصحابية فاطمة – سواء على أساس – الإرث – أو على أساس – في سبيل الله – أو أي أساس شرعي ليس فيه حرمة أو نهي – لأنّ الخليفة الصديق هو أول من يعلم و بشكل يقيني – إنها سوف تصرف المال الذي يعطيه لها – في سبيل الله – كما فعلت طيلة حياتها مع أبيها و زوجها خاصة و إنّ أمها الصحابية خديجة قد صرفت جميع أموالها أثناء الدعوة الإسلامية في سبيل الله – و كان خير مالٍ – و إنّ الصحابية فاطمة لم ترث من أموال أمها الطائلة سوى – الفراش – الذي كانت تنام فيه قبل زواجها – و كذلك تصدقت بهذا الفراش بعد زواجها و اكتفت بفراش الزوجية البسيط – و بمناسبة الفراش و الأثاث قال الله تعالى { و كم أهلكنا قبلهم منْ قَرْنٍ هُمْ أحسنُ أثاثاً        و رِءْياً } ( مريم 74 ) . 

                   إنّ -  خديجة و فاطمة – مهما كانت علاقتهما برسول الله الحبيب – فإنهنّ تبقيان ( صحابيتان ) و إنّ -  الصحابي – مهما كان – فإنه يجب أنْ يبقى – داعية و مسلم ملتزم – على أقل تقدير و تبقى – علاقته بالمال – علاقة داعية – يحمل دعوة – و ليس فقط صلاة و صوم – و عندما قال رسول الله < خير الأموال صرفت في سبيل الله مال خديجة > فإنّ هذا الحديث الشريف مؤيد بقوله سبحانه { لا يستوي منكم مَنْ أنفق مِنْ  قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة منَ الذين أنفقوا منْ بعدُ و قاتلوا و كلاً  وَعَدَ اللهُ الحُسنى  } ( الحديد 11 ) – و إنّ هذه الآية الكريمة و هذا الحديث الشريف – تؤيد – ما يجب أنْ يكون عليه – واقع – حملة الدعوة الإسلامية – و واقع نفس الدعوة الإسلامية – لذا فإنّ كل داعي يجب أنْ يتصف – بالإخلاص و النزاهة           و الصلاح  و حر- و لا تأثير للغير عليه بأي مصلحة من المصالح – غير مصلحة الدعوة – فكرياً و مالياً        و مادياً – و أنْ تكون الدعوة لا تبغي غير سبيل الله و  وجه الله – و هذا هو ما قضاه و قدره الله سبحانه – في دعوة رسول الله الحبيب – و ما يجب أنْ تكون عليه الدعوة الإسلامية لإقامة الدولة الإسلامية الواحدة أو حمايتها إذا كانت قائمة – حيث إنّ الله تعالى قد قضى – أنْ لا يكون – لأي صحابي و لا غير صحابي – داخلياً أو خارجياً – أي تأثير مالي – على رسولنا الحبيب في بداية دعوته – و كان تمويل دعوته المالي – تمويل مخلص و شريف و نقي و حر و بأمان داخلي – ذلك هو مال خديجة – و بذلك قد قطع ألسن النفاق – و إنّ المنافقين و الكفار قد وصفوه و نعتوه بالكثير من الصفات و النعوت إلا – الأمانة و الصدق و نظافة التمويل المالي –  لأنه لم يستند إلى أي دولة أو جهة أو فرد ثري و غني – و قد عرض عليه ذلك – فرفضه < و الله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي على أنْ أترك هذا الأمر ما تركته > .

                   و كان بإمكان الخليفة الأول الصديق – ترضية – بنت الرسول الحبيب – لأنها لم تطلب منه المال الحرام – و هو رئيس الدولة الإسلامية و بإمكانه – مراقبتها – إنْ هي انحرفت عن سبيل الله – و هي العفيفة البتول – فكان بإمكانه – عدم غضبها و عدم بكاء خليفة المسلمين لأنه قد أغضبها – و إنّ هذا – الغضب – قد أنزل – الآلام في جسمها و نفسها – لأنها تقوم بالجهاد الأكبر – فلحقت بأبيها رسول الله الحبيب بعد ستة أشهر من و فاته – و هي في  ريعان شبابها – و إنّ عمرها حسب الروايات بين ( التاسع عشر و الخامس      و العشرين ) و إنها بهذه السن قد أنجبت من زوجها الصحابي علي – و لديها الحسن والحسين – و ابنتيها زينب و أم كلثوم .

 

                   و إنّ الله جلت قدرته – قد أنعم على – الصحابية فاطمة الزهراء البتول سيدة نساء العالمين – بخصوصيات – لم ينعم بها على – امرأة – غيرها – حيث – لا يمكن أنْ يقال عنها – ناقصة عقلٍ و دين – أو عقل و إيمان و حظ – كما يقال عن بقية النساء -  و حسبما يفسره الفقهاء بأنّ – سبب – نقص – العقل والإيمان و الحظ عند النساء هو لأنّ  : المرأة تحيض و إنّ الله تعالى قد أعطاها إجازة و أعفاها من التزاماتها الدينية في العبادات – الصلاة – أثناء الحيض فلا تعيدها بعد انتهاء الحيض فتكون عباداتها أنقص من الرجل -  و المرأة عند الشهادة لا تصلح أنْ تؤدي شهادة كاملة بمفردها إلاّ إذا شهدت معها امرأة أخرى لتذكرها و تبعد عقلها عن التأثر بالعواطف – و أما ناقصة الحظ فإنّ الله تعالى يقول  { للذكر مثل حظ الأنثيين }                    ( النساء 11 )  .

     و أما إيمان الصحابية فاطمة فإنّ الله قد صنعها و – منَّ – عليها – بخصوصيات منها – إنّ حيضها لا يستغرق أكثر من المدة – الوقت – بين فرضين من الصلاة  و حيضها يكون إما بعد صلاة الصبح مباشرة و تطهر قبل صلاة الظهر أو بين فرض العشاء و فرض الصبح و هكذا فهي تؤدي العبادات كاملة . 

 

                 و أما العقل – فإنّ الله تعالى قد جعلها من – أهل الجنة – و هي – أحد أعضاء العترة الأربعة الذين تركهم رسول الله الحبيب كثقل من الأثقال الثلاث بعده و ربطهم مع المسلمين – بوصية – لصيانة و تفسير – كتاب الله و سنة رسوله – و هي قد -  أدت – بفضل الله – هذه المهمة و هذا التكليف – خلال المدة القصيرة التي عاشتها بعد وفاة أبيها رسول الله – ستة أشهر – و ذلك بالتصدي بنفسها للكثير من الأمور خاصة محاسبتها الخليفة الأول الصديق بعقل قوي    و ثابت و بليغ – و إنّ من ضمن ما ورد في خطبتها (( لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتُّمْ حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ ، فإنْ تعزوهُ تجدوه أبي دون نساءكم و أخا ابنُ عمي دونَ رجالكم ،      و أنتم الآنْ تزعمونَ أنْ لا  إرث لنا أ فحكم الجاهلية تبغون و من أحسنُ من الله حكماً لقومٍ يوقنون – أيتها المسلمة المهاجرة أ أبتزُ إرث أبي ،  أ في الكتابِ أنْ ترثِ أباكِ و لا أرثُ أبي لقد جئتِ شيئاً فرياً  ... ))  إلى آخر الخطبة و قد دفعت جميع الحاضرين إلى البكاء و معهم الخليفة – الذي كان وضعه السياسي و طريقة استلامه منصب رئاسة الدولة في ذلك الوقت لا يمكنه إلى أكثر أو أقل من البكاء حسب تفكيره و مفهومه لواقع – أوضاع الحياة الدنيا و حلاوتها – و هو جالس في منصبه خليفة للمسلمين ومن حوله حاشيته  – و أما – الوصية – فأمرها عند المسلمين .

        و أما – نقص الحظ - الإرث – للذكر مثل حظ الأنثيين – فإنه جلت قدرته قد جعل الصحابية فاطمة في – واقع – لا يسري عليها نقص الحظ  فلم يجعل معها – وريث – بوفاة أخويها القاسم و الطاهر - يحجب عنها أي جزء من حظها فيما لو -  أرثت –  وإنها تأخذ – جميع النصاب و ليس نصفه – حتى إذا وجدت -  العصبة – لذلك فإنها طالبت بجميع إرثها من أبيها – و لكن -  البشر -  قد منعوها من إرثها .

                   و إنّ من ضمن ما ورد في خطبة – الصحابية فاطمة – بالإضافة إلى ما ذكرناه  -  هو -  تشخيصها – الواقع -  الذي أصبح فيه المسلمون – و ما ذا نريد منها أنْ تعمله خلال مدة حياتها القصيرة بعد أبيها ((  ألاّ في الفتنة سقطوا )) و بقولها هذا تكون قد ربطت – واقع المسلمين – خاصة السلطة – بقوله تعالى { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنة و ابتغاء تأويله } ( آل عمران 7 ) – فإنها قد أعطت رأيها بشكل – قطعي و حاسم – في الفتنة سقطوا – باتباعهم – ما تشابه منه – و اعتبرته – تأويل – منهم – و بهذه – الدقة من الربط – بين المواضيع التي تعرضت إليها و بين – القرآن المجيد { أ فحكمَ الجاهلية يَبغون ومن أحسنُ  من الله حُكماً لقوم يوقنون } ( المائدة 51 )  - و بعد ذلك هل يوجد من يقدر على – أنْ ينقص من عقل الصحابية فاطمة و من إيمانها – مثقال ذرة – و هي قد جسدت – الحكم الشرعي – العظيم الذي تحتاجه الإنسانية دائماً و أبداً في هذه الحياة الدنيا و هو ( الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) بأعلى صوره لأنه – من أوجب الواجبات الشرعية – لذلك نرى الكثير من الصحابة من اقتدى بها – مثل المقداد و أبي ذر الغفاري و عمار – و كذلك اقتدى بها – ولدها الصالح – الحسن و بعده الحسين – و قد توجت هذا الاقتداء – الباقيات الصالحات – ابنتها زينب – بطلة كربلاء و بطلة الشام . و من أقوال الصحابية فاطمة المأثورة  :

 

(  حببَ الله تعالى  إليَّ   منْ دنياكم  ثلاث  )

( تلاوة كتاب الله   والنظر إلى وجه رسول الله   والإنفاق في سبيل الله )

 

            و إنّ الله تعالى قال { إنّ ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } ( السجدة 25 ) و كذلك قال تعالى { قل اللهم فاطر السموات و الأرض عالم الغيب و الشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون } ( الزمر 46 )  و كذلك قال { ثمّ إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون }        (آل عمران 56 ) -  تختلفون – في – أمور دينكم و دنياكم -  و هذا هو مصير الاختلاف بين الصحابة – و بين عضو العترة – و بين الخليفة الصديق – مرجعه إلى الله تعالى – عند من لا يؤمن بأنّ عدم اتباع العترة هو الضلال و هو مبتوت به في الدنيا – و بناءً على ذلك – فإنه من – حق – كل مسلم و كل إنسان – وصف العمل أو القول – بأنه – صح أو خطأ – استناداً إلى الأحكام الشرعية -  دون إصدار الحكم على الأشخاص – هذا آثم أو هذا يثاب – بل و من الواجب على الإنسان – خاصة المسلم – التحري عن الحقيقة لكي يأخذ بعد التيقن بها { و منْ أحسنُ منَ اللهِ حكماً لقومٍ يُوقنونَ } ( المائدة 51 ) – و عند تعدد الأحكام في مسألة واحدة فمن حق المسلم إذا كان قادراً على التيقن الإيمان بأحد الأحكام و يترك الأخرى بشرط أنْ يكون اختياره – بقلبٍ سليم – على أنْ نبقى نتمسك و نطبق قوله تعالى { و الذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } ( الحشر 11 ) – و إنّ – الغل – هو – الحقد – و هنا يجب ملاحظة العبارة – الذين سبقونا بالإيمان – و لم يقل الله تعالى – الذين سبقونا بالإسلام – و هناك فرق كبير بين – الإيمان – و بين – الإسلام – { قلت الأعرابُ آمنا قلْ لم تؤمنوا و لكنْ قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم }( الحجرات 14 )  .

 

                   و إنّ – عمل – الصحابية فاطمة – بمهمتها و تكليفها الإلهي – بصفتها عضو في العترة – قد أصاب هدفه و أنتج ثمره – بحيث جعل – الخلفاء و الحكام – يأخذون الحيطة و الحذر من الإقدام على أي مخالفة شرعية أو تعطيل الأحكام قدر الإمكان – لأنهم ليسوا ملائكة و ليسوا من المعصومين كما قال الخليفة الأول الصديق – بل و قد – أمات أحياناً عند بعض الحكام – التجرؤ على دين الله – مثلما نصح معاوية ولده يزيد بعدم التصادم مع الصحابي الحسين و تركه و لكنه لم يأخذ بنصيحة والده فكانت الكارثة المستمرة – وبنفس الوقت قد أوجد – عمل الصحابية فاطمة – روح الإقدام على التحدي و التصدي في نفوس الصحابة وأهل البيت – و الوقوف بوجه المخالفات الشرعية – و قد جسد عندهم الفهم الصحيح للحكم الشرعي العظيم – الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر – مهما كان مصدر المخالفات الخلفاء أو أي مسؤول آخر أو من عامة الناس – و سواء كانت المخالفات المتعلقة بتطبيق الأحكام أو ما تتناقله الألسن من بدع و افتراءات أساسها تقصد محاربة الإسلام  أو الخطأ في المتشابهات .

 

 

 

خامساً  -  عمله باستخلاف الصحابي عمر بن الخطاب

( و الاستخلاف – كالحساب و العذاب – من اختصاص الله تعالى )

( و لم يخول به أحد فلا يجوز العمل به من قبل أي إنسان  )

 

            و إنّ من الأعمال السياسية المصيرية – الذي يخص موضوعنا السياسي هذا       و الذي سيكون تقييمه من اختصاص يوم القيامة هو – عمل الخليفة الأول الصديق باستخلاف الصحابي عمر بن الخطاب في حياته ليكون خليفة بعد مماته – أو ترشيحه خليفة لما بعده –     و إنّ هذا العمل – الاستخلاف أو الترشيح – مقصور على الله الواحد القهار و من اختصاصه    و لم يمنحه حتى لأنبيائه و لرسله – و بإمكان المسلمين خاصة المؤمنين الأتقياء الرجوع إلى آيات القرآن المجيد و الأحاديث الشريفة – ليجدوا – حق الاستخلاف أو الترشيح في الأرض هو من اختصاص رب العالمين { وعد الله الذين آمنوا منكم ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني و لا يشركون بي شيئا و من يكفر بعد ذلك فأولك هم الفاسقون } ( النور 55 ) – فعلى الباحث أنْ يركز في كلمات ربنا – الاستخلاف – و الذي ارتضى – و يبدل الخوف أمناً – و الفاسقون -  و إنّ رسول الله في آخر حياته خاصة عند مرضه – لم يضع نص خطي أو متواتر عليه – بالاستخلاف – أو بالترشيح – بالاسم – و إني في حيرة من تصرف الخليفة الأول في الاستخلاف أو الترشيح لأنّ الإنسان قد تجبره مصالحه الشخصية لنفسه  ولكن كيف تجبره مصالح الآخرين الشخصية لتحقيق مصالح لهم  إلاّ إذا كان مكره أو كان هناك تبادل مصالح     و هذا ما نريد التوصل إليه لمعرفة الجهة وراء إكراهه إذا لم يكن هناك تبادل مصالح – وإنّ عمله هذا لا ينطبق عليه قوله تعالى { و المؤمنونَ و المؤمنات  بعضُهم أولياءُ بعض } ( التوبة 71 )  و إنّ قوله تعالى هذا يطبق في الشورى وفي الدعوة و الأمر بالمعروف و أمثالها –      و كذلك نقول – إنّ رسول الله الحبيب – قد ترك لأمته الإسلامية قوله تعالى { و أمرهم شورى بينهم } نص شفاف لا يعكره حتى الهواء – و مع هذا الحكم الشرعي العظيم – فقد ترك – تذكرة بالأفضلية – و لم يذكر – اسم شخص – مع هذه التذكرة ليكون خليفة من بعده –           و إنّ الله تعالى قال { عسى ربكم أنْ يهلك عدوكم و يستخلف في الأرض فينظر كيف تعملون } ( الأعراف 129 ) و من هذه الآية الكريمة قد يتمكن الفقهاء – استنباط رأي إنّ الخليفة الأول قد أصبح خليفة باستخلاف الله تعالى  له و لما بعده الصحابي عمر بحكم القضاء و القدر – إذاً { فينظر الله كيف تعملون } .  

 

                   و أما – موضوع – التذكرة بالأفضلية أو الإشارات -  فإذا صحت و ثبتَ صدورها عن رسول الله – فهي – جوازية و ليست وجوبية ما دامت لم تخصص بمفهوم الاستخلاف أو بالاسم – و يترك أمرها إلى -  عامة الناس -  مثلاً – طلب الرسول الحبيب في مرضه أنْ يصلي أبو بكر الصديق بالمسلمين و يؤمهم – وكذلك – تشكيل جيش أسامة من قبل رسولنا الحبيب و جحفلة معظم الصحابة و كبارهم في هذا الجيش وأختار الصحابي– أسامة – قائداً للجيش – و كذلك أخرج الترمذي ( إنّ الصحابي عمر بن الخطاب قال لأبي بكر –     يا خير الناس بعد رسول الله – فأجابه أبو بكر – أما و إنك قلت ذلك فلقد سمعتُ رسول الله يقول – ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر )  - إذاً لا ندري من هو – خير الناس – بعد رسول الله الذي لا يمكن أنْ يتناقض في أقواله لأن الاثنين قد تقبلا خير الناس لنفسه – و هناك حديث قد نقل عن رسول الله < يكون خلفي اثنى عشر خليفة أبو بكر لا يلبث إلاّ  قليلاً > و في موضع آخر من هذا البحث قلنا – إنّ هذا الحديث مردود – لأنّ الخليفة الذي يلبث قليلاً بعد رسول الله الحبيب هو الخليفة الخامس الحسن و كانت خلافته لمدة ستة أشهر و ليس الخليفة الأول الصديق .     

                   في حين – هناك إشارات و تذكرة بالأفضلية – كثيرة و قوية قد صدرت – بحق الصحابي علي – و فيها دلالات أكثر دقة و أعمق مما ذكر بحق الصحابة الآخرين – و نوجزها  :  < من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه >  و < يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ  لا نبيَ بعدي > و < أنا مدينة العلم و علي بابها>  و < و تآخي رسول الله مع الصحابي علي يوم المؤاخاة > و { أنفسنا و أنفسكم – آية المباهلة }  و{ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرأ }  و  < خرج الإسلام كله إلى الكفر كله >  و < حديث الكساء >  و< غداً لأعطينَ الراية لرجلٍ يُحبُ اللهَ و رسولَه و يُحبه اللهُ و رسولُه > - و هل توجد علاقة – أقوى من علاقة الحب و المحبة بين اثنين – و هذه الإشارات كلها واردة و بشكل قطعي لدى كافة المسلمين .

                    و هذه – إشارات و تذكرة بالأفضلية – قد قرأها و سمعها – الصحابة – و لو طبقت – الشورى – لأصبحت هذه الإشارات و التذكرة الواردة بحق جميع الصحابة سواء التي ذكرناها آنفاً أو التي لم نذكرها - موضع دراسة و بحث و نقاش – في العملية الانتخابية -  و لقررت مصير المرشحين – و لهذا السبب قد حيل دون – الشورى – لرغبة بعض الصحابة في استلام الحكم بغير طريق – الشورى – فعصفت بالأمة الإسلامية – رجتان و هزتان – وفاة رسول الله الحبيب – و عدم تطبيق الشورى – فمن هم الناس الذين ضجوا             و اعترضوا على عدم تطبيق القانون و الأحكام الشرعية- هم كثرة – و لكن الاكراه و الاضطهاد و العنف هو الذي كان الأقوى تأثيراً على المجتمع الإسلاميبسبب اشتعال فتنة الردة – الأمر الذي جعل الذين ضجوا      و اعترضوا  أنْ يخففوا من حدتهم خوفاً على الإسلام و عقيدته – و هذا ما أشار إليه ولي الله علي ( لقد نبأني رسول الله – عن هذا اليوم – و عن هذا الأمر -  و إني أندمج على مكنون علم لو بحتُ به لاضطربتم -  و شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة ...  ) – و هذا الواقع هو الذي شجع الظلمة و الفسقة باستبدال الخلافة و البيعة – بولاية العهد و الوراثةفتوسعت معارضة الناس و زادوا  ضجيجا – و توسع العنف و الاستبداد مما أدى إلى قتل النفس المحرمة – و إنّ السبب في كل هذا هو البذرة الأولى – تعطيل الشورى – و إبعاد الإشارات والتذكرة و ابعاد ( التسابق و التنافس على البر و الخير ).

 

( مروان بن الحكم  -  الذليل  -  يتهم الخليفة الأول بالمداهنة )

 

            و إذا قيل – إنّ الخليفة الأول الصديق – قد استشار المسلمين – في حياته بشأن استخلاف الصحابي عمر – أو -  استشار أهل الحل و العقد و هؤلاء لا وجود لهم و إذا قيل أنهم موجودون فمن الذي عينهم و كيف – و نقول و نسأل – ما هو السبب الذي دفع الصديق إلى الاستخلاف في حياته – هل وجد – إنّ الشرع ناقص ليس فيه طريقة لاختيار رئيس الدولة – الخليفة – فأراد تصحيح الشرع و هل الاستخلاف هو التصحيح – و قبلها قد عين سادة بني أمية في المناصب و أعطاهم أكياس الأموال – و أكرر و أقول -  كم تحريتُ عن الجهة التي دفعت الخليفة الأول الصديق إلى القيام بكل تلك المخالفات الشرعية – فلم أجدها – ولكن  وجدتُ  عبارة في  خطبة منسوبة إلى المتسلط مروان بن الحكم الأموي يهدد فيها المسلمين    و يقول (( أنا لست بالخليفة المداهن  )) و لعل – المداهنة – هي الجهة التي نقف عندها لكي لا يأخذنا البحث و التحري إلى أمور قد لا تتفق مع قوله تعالى { ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا في الإيمان } . 

                  

                   و هل – الصحابة – لم يطلعوا على قول رسول الله الحبيب < و الله لو وضعوا الشمس في يميني ... > و لم يقرأوا قوله تعالى { ودوا لو تدهن فيدهنون } ( القلم 9 ) – و كان على الصحابة إدراك ضخامة مؤامرة معاداة الإسلام – فهي بقدر – ضخامة عقيدته الإسلامية – و كان على الصحابة الاستمرار بالوعي وكشف المؤامرات مثل كشف مسجد ضرار أو قريب من مستواه -  إذاً لابد  و أنْ تكون المؤامرة كبيرة و هائلة و مظلمة و عمياء تحرق الأخضر و اليابس عند المسلمين خاصة بعد أنْ فشل مخطط مسجد ضرار بهدمه – فقد استدار الكفار و المنافقون – روم و يهود و أعداء الإسلام من عرب الغساسنة – إلى – المناصب – والقيادات المدنية و العسكرية – و إلى – الأموال قوة – و أما العنصر النسائي فحدث ولا حرج و لكن احتراماً للمرأة فسوف لا نخوض غماره و لكننا نعرفه و نفهمه من يوم استخدام الخوارج للعنصر النسائي في قتل الخليفة الرابع علي و استخدامه من قبل معاوية و يزيد في سم الخليفة الخامس الحسن -   فأخذوا  يخططون بأنْ يكون – شغل المناصب و القيادات ضمن الدولة الإسلامية – من قبل أشخاص يدعون الإسلام و لكنهم من ضعاف الإيمان أو من المنافقين و عديمي التقوى و الحاقدين على الصحابة الأتقياء خاصة أهل البيت الذين ساندوا رسول الله الحبيب و مكنوه من تحقيق ما أرسله الله تعالى من أجله .

                   و هل ننسى كيف أراد عرب الغساسنة المشركون في الشام شراء -  الصحابي كعب بن مالك -  عندما أصبح أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن جيش تبوك فرفض بيع نفسه – و كيف تمكن معاوية من شراء قائد جيش الخليفة الخامس الحسن بنصف مليون دينار – و هذا البيع و الشراء بأشخاص النفوس المريضة والضعيفة موجود حتى – يومنا المعاصر – و ما أكثر العملاء اليوم – و هل ننسى كيف تمكنت – إسرائيل اليهودية الصهيونية الماسونية العلمانية و بتعاون البهائية – الجميع  قد تمكنوا  من -  توصيل – يهودي عميل – إيليا كوهين – إلى منصب مرموق في القيادة العليا في سوريا – و هو من يهود الاسكندرية في مصر العاديين – فأصبح من  تجار أمريكا الجنوبية في الأرجنتين –و بتزوير الشهادات أصبح من الرعايا السوريين و قد رتب علاقة مع – أمين الحافظ -  عندما كان الملحق العسكري في الأرجنتين – و بعد أن أصبح أمين الحافظ رئيس الجمهورية السورية – فقد استدعى أيليا كوهين و باعتباره من الرعايا السوريين فأخذ يشترك مع القيادة السورية لتفتيش جبهات القتال مع إسرائيل – و لهذا السبب – ذهبت مرتفعات الجولان إلى إسرائيل وفي عهد حافظ أسد قد فاحت ريحته فقام بإعدامه و كان عليه إعدام علاقته هو وصداقته مع الرئيس الأمريكي  كلنتن و أمريكا التي جعلت من النظام الجمهوري السوري  نظام وراثة وأكثر من الاذلال الملكي الفاسد – واليوم أصبحت -  العمالة و التوافق -  بضاعة رائجة – و إذا أنت تناقش القادة و النشطاء لبعض الأحزاب وتذكرهم  بالإخلاص و الشرف و الشعب و الأمة – أجابوك – متى يقدر الشعب على تمكيننا من المناصب والدولارات عند ذلك نتعامل بالشرف و الإخلاص و مع الشعب – و هذا الواقع هو الواقع الموجود في -  الجزيرة و الحجاز – و بشكل فظيع و مخيف ملوك و أمراء و رؤساء خدم للكفرة و أعداء الإسلام وليس فقط عملاء و لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً – و إنّ الذي يغطي عليهم هو التقدم المدني و القواعد العسكرية للفراعنة الكبار و الأحلاف و المعاهدات – قد أعادوا كل ما حاربه رسول الله الحبيب و أنهاه في الجزيرة وشنوها حرب على الله و رسوله حرب جبانة و غير معلنة .   

 

(  نهاية  حكم  الخليفة  الأول  أبي بكر  الصديق  )

 

                        و من الخير و المنفعة لنا و للناس و للمؤمنين و نحن بصدد             ( الشورى  -  و الاستخلاف ) أنْ نلخص ( واقعة الاستخلاف أو الترشيح – التي هي جزء من نهاية حكم الصديق ) – و نلخصها كما وردت في الكتب التاريخية و الفقهية و التفسيرية المهمة التي ألفها و حررها و خطها نفس الجهات التي تؤيد عمل و تصرف و أقوال – الصحابيين أبي بكر و عمر ) في واقعة الاستخلاف -  ونستشهد بها لإثبات – الخلافة – التي ضيعها الاستخلاف  و هي  : 

 

                   لما ثقل – الخليفة الأول الصديق – و اشتد عليه المرض – فقد جمع بعض الصحابة – إليه و قال لهم ( لقد نزل بي ما قد ترون و لا أظنني  إلاّ ميتاً – و قد أطلق الله إيمانكم من – بيعتي – و حل عنكم -  عقدي – و رد عليكم – أمري -  فأمِّروا – من أحببتم – في -  حياتي – حتى لا تختلفوا بعد مماتي ) – و إنّ الصديق قال في موضوع - الاستخلاف – حتى لا تختلفوا بعد مماتي  في حين إنّ رسول الله وهو نبي الإسلام لم يبحث موضوع – الاستخلاف – في مرضه ولم يقل مثل ذلك -  و إنما قال في موضوع تطبيق الأحكام  < حتى لن تضلوا بعدي >  - ولم يقل النبي – فأمروا من أحببتم في حياتي – فهل إنّ رسول الله كان يرى -  عدم اختلاف الأمة بعده – لذلك لم يرد أنْ يرى ما يحبون تأميره عليهم .

 

                   و حسب بعض الروايات – و بعد رجوع المسلمين إلى بعضهم فلم يستقم لهم أمر -  فقالوا للخليفة – إننا لا نستقر على رأي – فقال لهم الخليفة الصديق ( أمهلوني  حتى أنظر لله و لدينه و لعباده ) -  وهنا لنا قول – لماذا يرى الخليفة – إنّ العباد سوف يختلفون بعد مماته – هل هناك حكم عشائري – و هل الأمم و الشعوب المتحضرة  تختلف عندما يرحل عنها حاكمها أو أميرها أو رئيسها -  و الصديق – ليس قائد     و لا مؤسس و إنما مجرد – حاكم في أمة -  أم أنّ بذرة الخلاف يزرعها الحاكم فتنبت و تفرع بعد مماته -  وهل لا توجد عقيدة و لا مبدأ عند الأمة – أم هي موجودة و لكنها عطلت و توقفت – و لماذا يطلب الحاكم من الناس أنْ يأمروا عليهم – شخص – في حياته – و على أي شيء يريد – الاطمئنان – بهذا الأمر – هل على شخص بالذات – أم على مصير الأمة – في حين إنّ مصير الأمة لم تصب بكارثة بعد الثورة على الخليفة الثالث الذي لم يعين إلى ما بعد مماته – بل العكس فإنّ الأمة رجعت إلى قانونها و إلى طريقتها – الشورى –            و اختارت من يحكمها -  بينما بأسلوب الخليفة الصديق قد عطلت و أبعدت – الشورى – للمرة الثانية .

                   و بهذه المهلة – امهلوني – فإنّ الخليفة الصديق قد قام باستشارة عدد من الصحابة – حسب الروايات – منهم – عبد الرحمن بن عوف الأموي و عثمان بن عفان الأموي و عمر بن الخطاب و سعيد بن زيد و أسيد بن حضير القرظي – و أثناء هذه المشاورة – فقد – شاعت – بين الناس بأنّ الخليفة يريد استخلاف الصحابي عمر بن الخطاب – فدخل بعض الصحابة و الناس على الخليفة الصديق و قالوا له ( ما أنت قائل لربك إذا سألك في استخلافك – عمر – علينا و أنت ترى غلظته فهو إذا وليَّ الأمر كان أفظ و أغلظ  ) – وهذا معناه إنّ الناس قد أدركوا خطورة ما سيحصل فقاموا بعمل فيه تحدي – و عندما سمع الخليفة الصديق رأيهم هذا فقد قال للحاضرين معه – أجلسوني – فلما جلس قال للناس ( أ بالله تخوفونني اللهم إني أستخلف على أهلك خير أهلك – و ابغوا من ورائكم ما قلت لكم )  ونحن نسأل – هل يوجد غير الله يُخوف به المسلم – فلماذا استنكر الخليفة الصديق تخويفه بالله سبحانه .

                   و يظهر من هذه المحاورة – إن الخليفة الصديق لا يخاف من التهديد بالله و أصر على رأيه – ثم طلب من – الصحابي عثمان بن عفان الأموي – أنْ يكتب ما يملي عليه ما نصه (  بسم الله الرحمن الرحيم – هذا ما عهد به أبو بكر ابن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها و أول عهده بالآخرة فيها حيث يُؤمن الكافر و يَصدق الكاذب و إني استخلف عليكم بعدي  ....  ) و هنا أخذته غشية – حسب الروايات – ثم أفاق من غشيته فقال إلى – عثمان -  ماذا كتبتَ – فأجابه عثمان ( قد كتبتُ – إني استخلف عليكم بعدي عمر بن الخطاب ) فكبر الخليفة الصديق و قال إلى – عثمان – ( جزاك الله يا عثمان عن الإسلام خيراً ) – فهل هذا يدل على الاتفاق المسبق أم هناك وحي و غيب – ثم أكمل الصديق خطابه ( فاسمعوا له و أطيعوا فإنْ عدل فذلك ظني به و علمي فيه و إنْ بدل فلكل امريءٍ ما أكتسب و الخير أردتُ و لا أعلم الغيب و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و السلام عليكم و رحمة الله ) و قد تم ختم الخطاب بختم الخليفة الصديق .

                   و قد خرج – عثمان – بالخطاب على الناس – ومعه عمر بن الخطاب  و أسيد بن حضير – فقال عثمان للناس ( أ تبايعون لمن في هذا الكتاب ) فأجاب الناس الحاضرون ( نعم ) فأخبرهم عثمان بما في الكتاب و قرأ الخطاب على الناس – و كذلك فقد أطلّ الخليفة أبو بكر الصديق على الناس من – كوة داره – و قال (أيها الناس إني قد عهدتُ عهداً و خفتُ عليكم – الفتنة – و اجتهدتُ  رأيي فوليت عليكم خيركم و أقواكم وأحرصكم) – فقال الناس الحاضرون ( لقد رضينا يا خليفة رسول الله ) – و لكنه لم يوضح جهة الفتنة هل هي بني أمية أم أعداء الإسلام و الروم و اليهود . 

 

                          و قد اختلف الفقهاء و المفسرون و المفكرون – فيما إذا كان – عمل            و تصرف و أقوال – الخليفة الأول أبي بكر الصديق هذه هي ( استخلاف - أم – ترشيح – أم – ولاية عهد )  و لكن النص الذي صدر عنه و ختم بختمه هو ( إني استخلف عليكم ) – و برأينا السياسي إنه ( استخلاف و ولاية عهد )  حسبما يظهر لنا من ( الأقوال و الأعمال التي حصلت في تحرير خطاب الخليفة ) – و مهما كان فإنه – ليس شورى – لأنّ العمل حصل – باجتهاد – في – حياة خليفة سابق و حي ) و قد ( حصلت ممانعة – و زجر – و أ تخوفونني بالله )         و نقول و نسأل ( لماذا لم يحرص رسولنا الحبيب مثلما حرص أبو بكر – و لماذا لم يَأمر و لم يستخلف في حياته حتى لا يختلفوا بعد مماته – و لم يخش – الفتنة – هل لأنه أراد تبليغ الإسلام لكي يبقى إسلاماً كاملاً و تاماً و ناصعاً و شافياً )  و هناك من يقول ( إنّ هذا – الاستخلاف – هو – الفتنة – و هو الذي خلق – التفريق و الخلاف – بين المسلمين               و  المؤمنين ) و إنّ الله تعالى يقول { و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} ( الأعراف 55 ) و قد أصلح الله سبحانه الأرض بحكم – الشورى – و قال تعالى { أنا ناصحٌ لكم أمين } (الأعراف 56 )  - و إنّ – الشورى -  وقتها – يحصل بعد انتهاء – عقد بيعة الخليفة السابق – و إنّ – الشورى – هي العمل و التصرف و الحكم الذي يتحقق فيه – ركن – الاختيار          و الرضا – في عقد البيعة – من قبل عموم الناس – و بدون توفر – ركن الرضا و الاختيار – يكون – عقد البيعة – عقد غير صحيح و باطل – إذاً عطلت الشورى بالاستخلاف .

 

 

(  القضاء  و  القدر  )

( و الأحكام الشرعية  -  الولاية  -  و الخلافة بالبيعة  -  و الشورى )

 

            إنّ – القضاء و القدر -  هي دائرة من الأعمال – يعيش فيها الإنسان – جبراً – عليه – وُلِدَ و يَموتُ جبراً عليه – و القضاء و القدر – خيره و شره من الله جلت قدرته – وهي – نعمة الإسلام – للمسلمين و العالمين – و لا يحمد على مكروه سواه – و عسى أنْ تكرهوا شيئاً و هو خيرٌ لكم -  و إنّ موضوع تولي الصديق – الخلافة – بعد رسول الله – و كما قال الخليفة الخامس الحسن ( إنّ الله تعالى قد صرف الخلافة عن الصحابي علي و وليها الصحابي أبو بكر ) – إذاً في هذه الواقعة -  عملان -  الأول من ضمن دائرة القضاء و القدر بالنسبة إلى الصحابي علي – و الثاني ضمن دائرة الاختيار بالنسبة إلى أبي بكر – فالأول هو صرف الخلافة عن الصحابي علي بقضاء الله سبحانه – و إنها مسألة غيبية خيرها و شرها من الله تعالى – و أما العمل الثاني فهو – عمل الصحابي الصديق و من  معه من الصحابة لأخذ البيعة للخلافة و بدون الشورى للصديق – فهي أعمال قد حصلت باختيار الصديق و اختيار الصحابة الذين اشتركوا معه في هذا العمل و هو دنيوي بالخيار و كان بإمكانهم القيام به و عدم القيام به – و هذا العمل يحاسبون عليه يوم القيامة – و كذلك للصحابي علي عمل و أعمال و أقوال منها ابتعاده عن السقيفة و منها قوله – شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة .

                    و لكن الذي يهمنا هنا هو ( القضاء – و الغيب – و النعمة ) – و إنّ – الأحكام الشرعية – هي أولاً و آخراً – نعمة – و أتممتُ عليكم نعمتي – و نعمة محفوظة للإنسان –    و أنا له لحافظون – و إنّ – الأحكام التي تهم بحثنا – الولاية و الخلافة و الشورى – هي محفوظة – قضاءاً -  و لابد من تطبيقها – قضاءاً - و لو مرة واحدة في حياة الأمة الإسلامية مهما حال الناس دون تطبيقها –  كالشورى  - فإنها طبقت مع الخليفة الرابع و الخليفة الخامس – فهي -  نعمة ربانية – و الولاية نعمة و الخلافة نعمة – و أما بنعمة ربك فحدث –  و هذه الأحكام الثلاث هي التي تهم – أمر المسلمين و العالمين – رعايةً و سياسةً – أكثر من غيرها – لذلك فإنّ الله تعالى لم يجعلها – غامضة –و لم – يخلط – أوراقها – بقضائه – و ذلك بصرف الخلافة عن ولي الله علي – مباشرة بعد رحيل رسول – و لو إنّ الله تعالى لم يصرفها عنه – لاختلطت – الولاية بالخلافة – و لأصبح اليوم المسلمون في حيرة من أمرهم – بلا  ولاية ولا خلافة – و لا عترة و لا إمامة – و لتشابه الأمر عليهم و  لخاض فيها الخائضون –  و لكن نعمة الله قد أتمها على أمته الإسلامية بقضائه فأصبح لكل منها مفهومها الخاص –  و أصبح – واقع الولاية الرباني – غير واقع الخلافة و البيعة الدنيوي  – و غير واقع الشورى – و رغم هذا الوضوح – فلا يزال الأمر يتشابه على الكثير من الناس – وإن هذا القضاء الإلهي لا يجعل أعمال و أقوال الصحابة في -  السقيفة و الاستخلاف -  جبراً عليهم و إنما كانت باختيارهم و سوف يحاسبون عليها – تماماً مثل – عدم بقاء أي من أولاد الرسول حياً و يخلفه بعد مماته – بقضائه و قدره – ليبقى رسول الله { ما كانَ محمدٌ أبا أحدٍ منْ رجالكم ولكنْ رسولَ اللهِ و خاتمَ النبيين } و يبقى جهاز العترة -  ثقل – من ثلاث أثقال – الكتاب و السنة و العترة – و مادامت الإنسانية مستمرة – و لم تنتهِ بإنتهاء الصحابة   و السلف فهي بحاجة مستمرة إلى الأحكام الشرعية خاصة – حكم الولاية و حكم الخلافة و حكم الشورى –     و لا يجوز الخلط بين – وظيفتي و مهمتي – الولاية و الخلافة – لذلك قضت – إرادة الله – أن يتولى ابتداءاً منصب – الخلافة الدنيوي – غير – ولي الله - المنصب الرباني – ليتمكن الإنسان من فهم الأحكام – كما فهمها – ولي الله علي – { ففهمناها سليمان و كُلاً آتيناه  حُكماً و علماً }  ( الأنبياء 79 ) .

                    و من – نعم الله -  إنه – أراد بقضائه – بقاء – الفتنة و البلوى -  مستمرة مع – بقاء الإنسان – إلى يوم القيامة – و كذلك أراد – وجوب العمل بالأعمال الصالحة – وفق الأحكام الشرعية – و منها – الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر – و الشورى – مستمرة إلى يوم القيامة – لمعرفة الطيب من الخبيث – و من هو أحسنُ عملاً  - حيا على خير العمل – و إنّ خير العمل  منها – العمل بالشورى لتنصيب رئيس الدولة الإسلامية – خليفة لرسول الله الحبيب صلى الله عليه و آله و سلم . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق