............رقم الإيداع (337) (دار الكتب والوثائق - المكتبة الوطنية) (بالموصل 4677 في 7/12/2005) (وقبض الرسم بالرقم1513في 7/12/2005)..........

مؤلف كتاب الشورى

الفهرست

الأربعاء، 17 يونيو 2009

الفرع السادس عشر

 

قال رسول الله الحبيب  عن ( المسلمين في الأندلس – أسبانيا والبرتغال )

<  حيهم  مرابط   و ميتهم  شهيد  >

 

( لماذا تحول المسلمون في شبه جزيرة الأندلس - من الإسلام  إلى الكفر)

    ( لأنّ - بني أمية – أدخلوا – الجهل – إليها – كما فعلوا في الشام ) 

 

و إذا  سافرتَ  ( اليوم )  إلى  ( الأندلس )  فإنك سوف  تلمس  ( الحنين )

                 و الرغبة إلى  ( الإسلام ) و الاعتزاز بماضيهم

      و تشاهد < القابض على دينه  كالقابض على  جمرة من نار >    

 

            عن ( الصحابي أبي أيوب الأنصاري )  قال  ( كنتُ في غزوةٍ مع النبي  و رأيته يسلم بيده باتجاه – المغرب -  فسألته إلى منْ  تسلم يا رسول الله  -  فقال  <  إني أسلم على جزيرة في المغرب – حيهم مرابط وميتهم شهيد >  صدق رسول الله الحبيب )  و يقصد بهذا الحديث الشريف ( المسلمون من أهل الأندلس ) (الأندلس التي انتصر الإيمان و التوحيد – الإسلام -  فيها على – المستحيل الكفر و القوميات –  و طرد الشرك منها -  بأتقاكم و ليس بالعرب  ) و إنما بالتقوى و القول المشهور ( العدو من أمامكم و البحر من ورائكم ) -      و لكن ( بالتفاهة و الفساد – بالقومية و العشائرية و التجزئة و الأمراء -  قد طُردَ الإيمان و التوحيد – الإسلام – من الأندلس ) و لم يبق فيها إلاّ  الشوق و الحنين و التمني – و الأمر بيد الله خير الآمرين  – فمن هو المستجيب – ليس اللحى و العمائم و الملابس القصيرة أو الطويلة – و إنما أحكم الحاكمين – يستبدل قوماً غيرهم و لا يكونوا أمثالهم – هم الأعلون -  و لا يبطلوا أعمالهم – بالمتشابهات أو الانحياز إلى الصحابة و السلف أو  بالقعود أو  بالعنف و المقاومة المسلحة لتشويه الإسلام -  بدون وجود - الدولة الإسلامية الواحدة – و إنما بالتعقل و التقوى  و  بالصبر و بالجهادين الأصغر و الأكبر و بالتفريق بين العمل الفردي و بين العمل الجماعي    و فهم واقع كلٍ منهما  بالاقتداء و اتباع سنة الرسول الأعظم في إقامة دولته  لكسب رضوان الله تعالى .    

 

            و علينا كمسلمين عقائديين أنْ نتفحص باهتمام هذا الحديث الشريف و ندقق فيه عن ( مسلمي أهل الأندلس ) – و قبل كل شيء نسأل :  متى يكون أهل الأندلس ( حيهم مرابط ) و ( ميتهم شهيد ) – هل عندما دخلها الإسلام -  أم بعد أنْ رجعت إلى الكفر – أو الاثنين معاً – و إننا نميل إلى الرأي القائل – إلى الاثنين معاً – عندما دخلها الإسلام و عندما رجعت إلى الكفر – فالناس الذين بقوا – قابضين على دينهم – و استمرار التزامهم بالإسلام – سراً و علناً – و هو – الجهاد الأكبر -  هم الذين قصدهم الحديث الشريف – و أما عند – دخول الإسلام الأندلس – فقد دخل إليهم  كذلك – النفاق و الفتن – النعرات القومية و العشائرية و الطائفية و المذهبية – و صقر قريش الأموي – ليعزز و يدعم ما كان موجوداً بالأصل قبل دخول الإسلام – و صار الوضع هناك ( يا ويل للمسلم الملتزم و التقي إذا أراد مناقشة – فكرة صقر قريش و التسلط الأموي – فهو – إذا كان حياً فسوف يعتبر – مرابط – و إذا مات و لو بدون قتل فهو – شهيد – وهذا كان في عصر الأمراء – و هو نفسه عندما رجعت إلى الكفر – فالمسلم التقي بكون مهدد من كل جانب – و في أي لحظة يعتبر – مقتولاً في إيمانه و في تفكيره -  سواء كان – حياً أو ميتاً – ما دام صقر قريش و أمثاله موجوداً – و إلاّ – لماذا لم يسمح للأندلس أنْ تكون جزءاً من الدولة الإسلامية في بغداد .

            هذه هي  - المعجزة الربانية – في عظمة الحديث الشريف – الذي عرّفنا بعظمة الإسلام و الفكر الإسلامي – و بعظمة المسلمين – في بداية – دعوتهم – و بداية دولتهم الإسلامية الواحدة – النموذج الواقعي والفائق للدولة العالمية -  و ليس الدولة الأموية و لا الدولة العباسية و لا الأموية بإماراتها في الأندلس و لا الدولة العثمانية و لا الأيوبية و لا  الفاطمية – و إنّ -  العظمة – هي  في  إصرار رسولنا الحبيب على ما يريده الله تعالى – توصيل الإسلام إلى – الأندلس – و أوربا – و العالمين – لأنه كان { و ما ينطق عن الهوى} يعلم من الله تعالى كيف سيكون ( واقع المسلمين في الأندلس ) حيث سيبتلون بأسماء البلوى و الفتنة (  صقر قريش       و الفاتح  و المنتصر بالله و المقتدر بالله  – و المتوكل على الله ... و غيرها ... مثل البلوى و الفتنة اليوم – خادم الحرمين و أمراء دويلات الجزيرة و ملوكها )  أسماء طنانة و رنانة و ليس همهما غير – حب الدنيا و التولي والسلطة و التسلط – و كالبهيمة همها علفها – و أما الإيمان بالله و تقواه  و تطبيق أحكامه فلا اكتراث لهم بها إلاّ بقدر ما يثبت كرسيهم و سلطانهم -  و أما إذا تعارض تطبيق الأحكام مع مصالحهم و مصيرهم – فإنهم          و بمعرفة وعاظ سلاطينهم – يعطلونها و يحللون الحرام و يحرمون الحلال من أجلها – فهل ّ – صقر قريش –      و من أمثاله – لم يكن يعرف ( إنّ هناك في بغداد – دولة و حكومة تعلن العقيدة الإسلامية و تدعي الإسلام – فهو يعلم بذلك و بنفس الوقت يعرف – إنّ الإسلام يقول له  :  ليس لك  شرعاً  إلاّ أحد أمرين :  إما الاندماج مع – دولة بغداد – و طاعتها إذا كانت – دولة شرعية  و تصبح جزء منها – وإما إذا كان الموجود في بغداد – سلطان جائر – فعليك وجوباً العمل – لتغيير السلطان الجائر و جعله – سلطاناً شرعياً – و لك و لنا في قضية الحسين العقائدية  عبرة و قدوة – و في كلي الأمرين فإنّ ( الواحدة – و التوحيد ) التي يأمر الله تعالى بها هي ( الباقية ) فلا تجزئة و لا انقسام و لا  كيانات و لا – دولة بغداد – و لا  دولة الشام – و لا  دويلات الأندلس -  و إنما ( دولة إسلامية واحدة ) أينما كانت عاصمتها .

 

            و أما إذا قال المدافعون عن ( صقر قريش -  و خادم الحرمين ) و أمثالهم ( و معهم وعاظ السلاطين – الظلاميون – الذين يدفعون الناس إلى العيش في الظلام و الظلم ) – إذا قالوا ( إنّ إمارات الأندلس – و الدولة العباسية في بغداد – و الدولة الأموية في الشام  - و العثمانية في استانبول – و الملكية و الإمارة في السعودية     و الإمارات و قطر و البحرين و الكويت و قابوس عمان – و اليمن  - قد وصلوا بدويلاتهم و إماراتهم و مشيختهم – من الناحية  العمرانية و الصناعية و أجهزة المجتمع المدني إلى -  أوج عظمتها – من التقنيات و المخترعات – و النفط – و الفنيات – و سقي الحاج و عمارة المسجد الحرام – و إنّ الحكم في الأندلس قد بقى و استمر لعدد من القرون – لذلك – لا  داعي  لإقامة الدولة الإسلامية الواحدة ) فإنّ جوابنا على ما يقولون هو ( إنّ التقدم المدني   العلمي و العمراني و الصناعي و التقني في الأجهزة المعلوماتية و وسائل النقل و -  وفرة المال – لا  تأثير  و لا  علاقة لها في – عقيدة التوحيد – و لا تدل على – إنّ أولئك الحكام يطبقون ما أنزل الله – الإسلام – أو أنهم يؤمنون و يطيعون  الله و رسوله – مثلما أراده الله و أمر  به عباده – و إنما هو دليل على – إنّ – عقيدة التوحيد- هي أساس التقدم و أساس الواقع الذي وجد – و إنّ الواحد الأحد هو الذي بدد الخوف من -  العيلة -  لدى المسلمين -  وإنْ خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله – ففضل على – المسلمين بالنفط -  و أصبح النفط – أقوى قوة في العالم لو كانوا يدركون و يعقلون )  بدليل إنّ  ( أمريكا و بريطانيا  و ألمانيا و اليابان و روسيا ) هي الأقطاب التي وصلت اليوم إلى -  قمة عظمتهم -  في  - الوسائل المدنية و المادية و الفنية و التقنية – و وفرة المال – و في العهود السابقة – كان ( فرعون و عاد و ثمود )  قد أذهلوا الدنيا في تقدمهم التقني – حيث  لا تزال  أجسادهم محنطة في قبورهم الفرعونية – و إنّ العلم عندهم كان في غاية التطور و إن سحرتهم قد أبهروا العقول بسحرهم و علمهم    و أعمدتهم في الوديان شامخة و راسية – و إنّ الإنسان اليوم  يعجب كيف جاؤا بتلك الصخور الضخمة في – الواد – و أقلها صخور و أعمدة بعلبك  – فهل هذا معناه ( إنّ السابقين واللاحقين – قد طبقوا العقيدة الصحية – عقيدة التوحيد – و إنّ أهم هدف في هذه العقيدة هو – أنْ لا يظلم الإنسان نظيره الإنسان و أنْ يحفظ و يصون دمه و أنْ يهتم في أمره و يقضي على معاناته – فهل فعلوا ذلك -  وهل كسبوا رضا الله و رسوله -  كلا فإنهم سابقاً و لاحقاً  – قد طبقوا – عقيدة الشرك و الكفر – العلمانية و الإلحاد -  و الأحكام الفاسدة – فأرسل الله تعالى – لهم – الرسل و الأنبياء – و بالمعجزات – فعصا موسى قد تلقفت كل تقنياتهم السحرية – و قرآن محمد قد أحبط كل كتبهم و نظرياتهم العقائدية- خاصة { أمْ لكم كتابٌ فيه تدرسونْ }(القلم37).

 

            نعود و نقول  - إنّ على الناس و منهم – المسلمين – أنْ ينظروا إلى ( عظمة الإسلام و المسلمين )  (عندما  آمنوا -  بالعقيدة الإسلامية – و حملوا الدعوة الإسلامية – في بداية دولتهم الإسلامية – عهد الخلافة -  و ليس عهد الملك العضوض و ولاية العهد – فكانت عظمتهم بدينهم الإسلامي العظيم – الذي هو – شفاء ورحمة و هدى للعالمين )  و قد ( صهر )  الإسلام ( القوميات في – بودقة الإيمان – بعد إيمانهم بالنبي العربي الأمي ) (صهر الفرس و الروم و اليهود و العرب و البربر و الأكراد و التركمان و الصرب و الهرسك – فخرج من هذه – البودقة -  بعد الصهر -  الأتقاكم – و ليس القوميات ) فما هو الذي حصل في هذه البودقة – إنّ الذي حصل -  هو إنّ – الجميع – قد قرأوا في – البودقة – الآيات الكريمة المباركة – منها { و ننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين و لا يزيد الظالمين إلاّ خسارا } ( الإسراء  82 )  للمؤمنين و ليس للعرب و الأكراد فقط  و { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } ( الأنبياء 107 ) للعالمين و جميع القوميات  و  { إنه لهدى و رحمة للعالمين } (النمل 77 )   و  { و إنّ أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركاً و هدى للعالمين } ( آل عمران 96 ) للناس      و ليس فقط للمسلمين   و { و ما أرسلناك إلاّ  كافة للناس بشيراً و نذيراً و لكن أكثر الناس لا يعلمون }              ( سبأ 28 )  و { و قالوا إنْ نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نُمكِنْ لهم حرماً آمناً  يُجبى إليه ثمراتُ كلِ شيء رزقاً من لدنا و لكن أكثرهم لا يعلمون } ( القصص 57 )  و { فإنما عليك البلاغ و علينا الحساب } ( الرعد 41 )       و ليس آخراً { و جعلناكم شعوباً و قبائلَ لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم } ( الحجرات 14 )  أتقاكم و ليس عربيكم و لا أعجميكم  -  وقرأوا كذلك في هذه البودقة – الأحاديث الشريفة لرسول الله الحبيب < الدين المعاملة>  و< الدين النصيحة >  و <  من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم >  و < حب لأخيك كما تحب لنفسك >  و <إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق  >  و ليس آخيراً  <  لا فرق بين عربيٍ و أعجميٍ  إلاّ بالتقوى  >  فأصبحت ( التقوى و أتقاكم ) هي  مقياس التمييز بين ( القوميات ) و مرجعها ( اليوم الآخر )         و من - عرف – اليوم الآخر – عرف ( الجنة و النار )  و الجنة { سيذكرُ من يخشى }  و النار { يتجنبها الأشقى} { ثم لا يموت فيها و لا يحيى } { بل تؤثرون الحياة الدنيا . و الآخرةُ خيرٌ و أبقى  } -  هذا ما قرأه الناس بقومياتهم في تلك البودقة – كلها أحكام و أفكار و مفاهيم لتنظيم حياتهم و تحديد سلوكهم و أخلاقهم – و بهذه كلها و بالعقيدة – قد هاجر المسلمون إلى – الأندلس – و إلى الشرق و الغرب – بداية دينهم و دعوتهم و دولتهم – بلا قومية و لا شعوبية و لا صقر قريش و لا أمراء و لا قواعد عسكرية و لا عشائر و لا مشيخة و لا شيوخ     و لا – ملك عضوض و لا ولاية عهد أو وراثة و وصية – و إنما - الخلافة -  و بالقاعدة الحربية { و ترجون من الله ما لا يرجون } و بالكلام المأثور ( العدو من أمامكم و البحر من ورائكم ) – و بالوصايا – بعدم قتل النفس المحرمة و عدم التدمير و عدم الغدر وعدم إنزال الأذى بعجوز أو امرأة أو طفل أو إحراق الكتب أو إهلاك الحرث و النسل – و إنما فقط ( وقف و شل العدو و إبعاده عن طريق الإيمان و إبعاد أذاه عن المؤمنين و زجره إذا قام بحرق القرآن المجيد – و إنّ الجميع يدين و يخضع للواحد القهار – و طاعة الأتقاكم ).

 

            و عندما آمن – أهل الشمال الأفريقي – البربر و العرب و الأقباط و الروم – و غيرهم من مختلف القوميات و الأجناس و الألوان و الأديان -  بإسلام العالمين -  بعقولهم و بقلوبهم – فقد عبروا – بالإسلام – البحار و المحيطات و القارات و الجبال – و المستحيل – إلى – الأندلس -  أيام الخلافة الراشدة – من قبل – القادة المؤمنين الأتقياء – وفي الشمال الأفريقي – القائد المشهور موسى بن نصير – و تابعه – القائد الفذ طارق بن زياد – و على غرار – غزوة تبوك    و جيش أسامة – و اسوة برسول الله الحبيب – فلا صقر قريش و لا  ابن كاشين – دعاة التجزئة و التسلط و الإمارات – و توجيهاً لولي الله الصحابي علي في قوله للخليفة الأول الصديق (( إنك يا خليفة مبارك الأمر و ميمون النقيبة – فإنك إنْ سرتَ إليهم بنفسك  - أو  بعثتَ إليهم جيشاً فإنك منصور إنْ شاء الله )) فأجابه الخليفة أبو بكر ( بشرك الله خيراً – و لكن كيف عرفت ذلك )  فقال له الصحابي علي (( يا خليفة إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه و آله يقول  :  لا يزال هذا الدين ظاهراً على كل من ناوَأه حتى تقوم الساعة و أهله ظاهرون ))  فأجابه الخليفة الصديق (سبحان الله ما أحسن هذا الحديث – لقد سررتني يا أبا الحسن  سرك الله في الدنيا و الآخرة )  ومن خلال هذه المحاورة في المسجد و أمام  معظم الصحابة يظهر :  إنّ ولي الله الصحابي علي هو الذي ينفرد بهذا الحديث – حديث آحاد – الذي أصبح بشرى و تشجيع للخليفة الأول الصديق لتجهيز الجيوش و من ضمنها -  جيش أسامة – و إرسالها إلى ( الشام – و المغرب ) .

            و إنّ لهذا الحديث الشريف سند في القرآن المجيد – في قوله تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليُظهرَهُ على الدين كله } { و لو كرهَ المشركون } ( التوبة 34        و الصف 9 ) و { كفى باللهِ شهيداً } ( الفتح 28 ) – فقد كرر الله تعالى هذه الآية المباركة – في إظهار الدين على بقية أديانه السماوية – ثلاث مرات في ثلاث سور كريمة ( التوبة و الصف      و الفتح ) لتوجيه المسلمين إلى ( الدعوة و نشر الإسلام – في تدمير السواتر و إزالة الموانع -  و الخروج على السلطان الجائر – للقضاء على الجور – ليكون الإسلام : ظاهراً و ناصعاً –        و خالي  من الشبهات و الزيغ و قتل الفتن و الفرقة -  و هذا ما استجاب إليه القادة العظام موسى بن نصير و طارق بن زياد -  مثلما وقف صاحب القضية العقائدية الحسين   و عائلته و أصحابه في أول خروج على السلطان الجائر -  صفاً  كالبنيان المرصوص لوقف الجور عند حده من أنْ يتمادى في غيه بتهديد – العقيدة الإسلامية و إطفاء نور الله بأفواههم و بإساءة و تعطيل الأحكام– { إنّ الله يُحبّ الذين يقاتلون صفاً كأنهم كالبنيان المرصوص } ( الصف ) .

 

            و بوصول – الإسلام – إلى – الأندلس – فقد صدق الله تعالى بقوله { و لقد وصلنا لهم القول } فأصبح     ( المجتمع الأندلسي – مجتمع إسلامي ) و لم يحصل ذلك الظهور – بتهجير – أهل الأندلس من بلادهم – و مجيْ ناس آخرين غيرهم – و إنما – بإيمان – أهل الأندلس بالدين الجديد الذي بشر به – الجيش الإسلامي – و ليس -  جيش عربي – لأنه كان بقيادة عظيمة  بربرية ( موسى بن نصير و طارق بن زياد ) .

 

                     (  رجوع الأندلس  إلى  الكفر )

            و لكن ( لحداثة إيمان  -  عموم الناس )  و  ( لضعف تقوى الله عند القادة و الحكام و المسؤولين الذين تسلطوا بعد هاذين القائدين التقيين العظيمين – باسم القومية و العشائرية و القبلية و الشعوبية و النفعية    ومثلما كان الأمر و الواقع  في – الشام و فلسطين – ومثلها تفشت العباسية في بغداد و العثمانية في استانبول – فكانت – لعبة صقر قريش – الجبان الذي لا يريد – الدولة الإسلامية الواحدة – فقد تجزأت الأندلس بطاغوته إلى – إمارات و دويلات – و لم تعاد إلى – دولة الأم – لأنّ الذي كان يسود جميع العالم الإسلامي – ولاية العهد والوراثة – وليست – الشورى -  فأصبح الناس في هذا العالم – مسلمين بسطاء و مقلدين و هابطين في الفهم ومنحطين في التفكير – يأتيهم خبر ( نصب الحاكم ) و هم في ظلمة وعاظ السلاطين الذين يقرأون لهم – وأطيعوا أولي الأمر منكم و بالمتشابهات – مستغلين اعتزاز الناس يإسلامهم الذي هو دينهم الذي ضحوا من أجله بأموالهم و أنفسهم و بكل غالي و نفيس ليعيشوا في ظله و يتمتعوا بشفائه و رحمته – و لكن الفاسقين والظالمين – قد سرقوا منهم كل خير و نعمة – أنعمها و أرادها الله و رسوله لهم – خاصة – التوحيد و الوحدة و الشورى .  

            لذلك فقد استغلت أوربا و معهم الكفار المتواجدون في الأندلس – هذا الواقع الفاسد المرير الذي أصاب الأندلس – فقاموا بعملية انقلابية – كلها – حقد و كراهية – في إبادة المسلمين -  فأحرقوهم – بنيران مخابزهم الكافرة – و أحرقوا معهم إسلامهم في أحكامه و أفكاره و مفاهيمه – و إنّ الذين قام الصليبيون بإبادتهم             و إحراقهم من المسلمين هم المسلمين الذين ( نجوا و سلموا من بطش و قتل وسم و تعذيب حكامهم العرب الأمويين – بسبب دعوتهم لتغيير السلاطين الجائرة و معارضتهم لهم – على تعطيل و إساءة تطبيق أحكام الإسلام – و هكذا – ضاعت الأندلس – و رجعت إلى – مجتمع كافر – وفي أحضان الكفر الصليبي .

 

     ( و إذا سافرتَ – اليوم – إلى الأندلس – ماذا ستجد )

 

           المهم هو إنّ ( المجتمع المسلم ) في ( الأندلس ) قد تحول إلى ( مجتمع نصراني صليبي )  و يُحكم اليوم من قبل ( النظام الملكي – المشابه لنظام وراثة الحكام المتسلطين الذين كانوا يدعون الإسلام و يحكمون المسلمين  بولاية العهد و الوراثة و الوصية ) .

            و لكن الغرب العلماني الكافر المستعمر بزعامة ( بريطانيا – التي تملكت – جبل طارق ) – لم يكتفوا بهذا التحول إلى الكفر – و إنما – أدخلوا ( الشيوعية – الإلحاد ) و ( الاستبداد ) و ( الشهوات و الخلاعة           و الميوعة ) و ( صراع الثيران )  مجموعة من القيم الكافرة و الفاسدة – لإحراق و قتل ( القيم و الأخلاق الإنسانية و الأحكام الإسلامية ) لتكون ( سدود و سواتر منيعة – أمام من بقي متخفياً ممن يحملون الفكر الإسلامي و الدعوة الإسلامية – و بعد حقبة من الزمن – فقد أعيدت – الملكية – إلى أسبانيا ) .

 

            و رغم مرور مئات السنين على الانقلاب الصليبي في أسبانيا – فإننا قد تلمسنا ( الحنين ) في المجتمع الأسباني إلى ( الإسلام ) أثناء سفرتنا ( العائلية – زوج و زوجة و أربعة أطفال )  سنة  1980 -  و نحن في أسبانيا – قمنا برحلة داخلية من العاصمة – مدريد – إلى  مدينة - غرناطة – بواسطة القطار – و كنا جالسين في مقصورة شعبية – فقد دخل علينا ثلاثة أشخاص شباب أسبان – شاب واحد و شابتان – و كانت الخلاعة ظاهرة على الشابتين – و عند استقرارهم في المقصورة و بدأ القطار بالسير – أخذ الثلاث بالغناء و الطرق على الطاولة التي بينهم – ومن ثم أخذت الشابتان بالرقص و المداعبة مع الشاب – و كنا نحن ساكتين و نتفرج عليهم فقط – ولفترة توقفوا للاستراحة و الهدوء – فحصل الكلام بيننا و بينهم و بدأ طرح الأسئلة -  و من خلال ذلك – عرفنا إنهم لا يعرف بعضهم البعض و إنما مجرد -الصدفة – جمعتهم على درج القطار مثلما جمعتهم – الصدفة – معنا – و قد لفت نظرهم فينا – و قارنا و  ملابسنا المحتشمة و الشرعية – فسألونا ( من أي بلد و ما هي معتقداتنا ) فأجبناهم (  نحن مسلمون و من العراق ) و أخذنا نشرح لهم ( كيف إنّ الإسلام يوقر و يحترم المرأة و يعزها      و يكرمها – حسب فطرة جسمها الذي فطره الله تعالى عليه – و لا يسمح لها بالبذلة و الخلاعة – تماماً مثل الرجل – و ما هو رباط الزواج المقدس بين الرجل و المرأة و حقوق و واجبات كل منهما )  و قلنا لهم ( بينما المرأة عندكم في الغرب العلماني -  مجرد – سلعة – تباع و تشترى أو توهب – مثل اللحوم عند القصاب – يقوم الرجل بالتطلع عليها  و التمتع بها فإذا شاء اشتراها بأمواله أو بحيله و كذبه و خداعه –و المرأة عندكم هي التي تقوم بتهيئة لحمها و أنوثتها للإثارة و البيع و الإهداء – و ها أنتم لا يعرف بعضكم البعض و جمعتكم الصدفة في القطار – ترقصون و تتحاضنون بدون هدف سوى اللهو و إشباع الغريزة  )  و بعد هذا الكلام – فقد قامت إحدى الشابتين و الأكثر خلاعة من الأخرى و جلبتْ من حقيبتها – الخارطة الأسبانية – و نشرتها أمامنا على الطاولة   و أشارت فيها إلى  مدينة أسبانية باتجاه البرتغال و قالت ( إنّ هذه المدينة يسكن فيها – جدي – فأطلب منكم السفر إليها و سأكون في صحبتكم )  فقلنا لها ( إنّ هذه المدينة – التي يسكنها جدك – هي عكس سيرنا و تبعد مسافة ثلاثمائة كيلومتر – فلا يمكننا تلبية طلبك ) فقالت ( إنّ جدي سوف يفرح و يرحب  بكم ) وكذلك رفضنا طلبها بحجة ( إنّ السفر إلى جدك سيكلفنا المال الكثير من نقل و منام و طعام ) فقالت ( إنّ المنام و الطعام سوف يكون بضيافة جدي و سوف يكون النقل فقط عليكم ) و كذلك رفضنا و أضفنا حجة ( ضيق الوقت ) و عندها قالت ( أنا عندي اسم غير اسمي الرسمي و قد سماني به جدي و هو -  مدينة ) و من هذه – العلامة – فقد فهمنا بأنّ جدها ( مسلم ) و قد سماها تيمناً باسم – المدينة المنورة -  و رغم إلحاحها فإنّ واقعنا المادي كان لا يسمح لنا بإجابة طلبها و قد خسرنا هذه الفرصة الثمينة و قد لا تعوض .

            هذه واقعة و علامة واحدة – من مجموعة وقائع و علامات قد صادفتنا خلال سفرتنا القصيرة التي كانت مدتها تزيد قليلاً على عشرين يوماً -  و بهذه المناسبة نقول ( السلام عليك يا رسول الله الحبيب – لقد صدقتَ عندما قلت إلى الصحابي الصديق – ليتُ لقيتُ إخواني -  فأجابه الصديق – نحن إخوانك يا رسول الله – فقال له رسول الله – لآ أنتم أصحابي و إنّ إخواني هم الذين لم يروني و صدقوني و أحبوني حتى إني لأحب إلى أحدهم من ولده و والده -    و كدنا نحن نلتقي بإخوان رسول الله و إخواننا لولا الواقع الظالم و الكافر الذي أوجده أعداء الإسلام – الذي حال بيننا و بين هذا اللقاء ) . 

            هذه دقائق معدودة في القطار و بكلام قليل و بسيط  قد أهتزت مشاعر الفتاة فاندفعت بحرارة و حماس لاطلاعنا على – الكنائز – إسلام جدها – فكيف لو كانت هناك أيام و ليالي و كانت هناك لغة مشتركة نفهمها        و يفهمونها – و كنا كذلك من المتفرغين للدعوة و نشر الإسلام و لدينا الدعم المادي – كما هو حال مبشري الكفار و أقلهم ( الهيبيين بأوساخهم ) .

            و مثل هذه الواقعة حصلت في ( قرطبة )  حيث نزلنا عائلياً في شقة من بناية على شارع ضيق وأمامنا من الجانب المقابل – محل لبيع المواد الغذائية – يديره رجل أسباني و زوجته – ينزل إليهم أولادنا الصغار للتسوق منهم – و نتيجة للأسئلة مع أولادنا فقد فهم أصحاب المحل -  إننا عائلة مسلمة من العراق – فأخذت الزوجة تبرّ  بالأطفال و تهديهم من بضائع المحل و تقبلهم بكثرة – و كذلك أخذت – و هي المتواجدة طوال اليوم -  تكلم الزبائن الأسبان الذين يأتون للشراء عن الأولاد و العائلة – كونهم مسلمون – فيقومون هؤلاء كذلك بتقبيل أولادنا و الكلام معهم بالإشارات – لذلك نقول  ( إنّ الأمة الإسلامية - اليوم – بأشد الحاجة إلى – الدولة الإسلامية الواحدة – العقائدية – دولة خلافة و ليست دولة ولاية عهد – التي نحتمي بها و تحمينا ) وليس الطغاة المتسلطون علينا – خاصة – طاغيتهم – الذي كان متسلطاً على العراق و ليس عنده في الخارج غير الجواسيس و المخابرات لالتقاط أنفاس و نظرات العراقيين و ما تنطق به شفاههم  .

 

            و إنّ ما صادفناه في – أسبانيا – هو شيء يسير – لما صادفناه في ( الدويلة المغربية – و هي بلد مسلم) و جزء من العالم الإسلامي – فقد حصل نقاش مع بعض أصحاب محلات الملابس و الأقمشة في ( طنجة )  المدينة التي تطل على البحر و التي انطلق منها القادة ( موسى بن نصير و طارق بن زياد ) إلى بلاد الأندلس    و بعد ساعات من النقاش و من محل إلى آخر – و إذا بحضور عدد من أصحاب المحلات إلى أحد المحلات الذي كنا فيه – و حصلت جلسة بيننا و بينهم ( عرضوا علينا طلباً – و هو – البقاء عائلياً في المغرب و تكون معيشتنا على حسابهم مع تخصيص راتب شهري – لحمل الدعوة الإسلامية في المغرب لإقامة الدولة الإسلامية التي شرحناها لهم – بأنها المنقذ الوحيد  من واقعنا الفاسد ) و طبعاً لم تحصل الاستجابة لطلبهم لنفس السبب و الواقع الذي بيناه في أسبانيا .  و كلما تجولنا في أسواق -  طنجة -  خاصة أسواق الخضار و المواد الغذائية المحلية كاللحوم بأنواعها – و أنا أنظر إلى البحر المترامي أمامي – أفكر في نهايته تقع الأندلس - أسبانيا و البرتغال -  فأقول في نفسي (  إنّ القادة و الجيش الذين وراءهم – طنجة بخيراتها و ما أنعم الله تعالى عليها – كفيلة بدعمهم بالإمدادات التي تمكنهم ليس فقط من فتح الأندلس – و إنما فتح أوربا بأجمعها – لو وجد القادة المؤمنون الأتقياء مثل – أسامة بن زيد و موسى بن نصير و طارق بن زياد – رضوان الله تعالى عليهم ) .

            و نقول ( إنّ هذا كله حصل في – أسبانيا و المغرب – بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدال بالتي هي أحسن – و ليس بالسيف و الرشاشة و المتفجرات أو بقوة الجيوش )  وهذه تذكرة إلى الذين يدافعون عن الحكام الظالمين الذي أساؤا – تطبيق الإسلام – وعطلوا الأحكام – و رغم كل ذلك يدافعون عنهم و يتفاخرون بهم باعتبار – إنّ الفتوحات حصلت في عهدهم و أيامهم و يجعلون من الفتوحات -  السبب – للعفو عن أعمالهم المخالفة للشرع و تعطيل الأحكام ( و كأنما الحساب و العذاب و التوبة  و الغفران بأيدي هؤلاء المسلمين الجهلة و ليس بيد الله جلت قدرته ) { فإذا جاءتْ الصاخةُ يومَ  يَفِرُ المرءُ  من أخيهِ و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه لكلِ امريءٍ منهم يومئذٍ  شأنٌ  يُغنيهِ } ( عبس 33 ) .     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق