............رقم الإيداع (337) (دار الكتب والوثائق - المكتبة الوطنية) (بالموصل 4677 في 7/12/2005) (وقبض الرسم بالرقم1513في 7/12/2005)..........

مؤلف كتاب الشورى

الفهرست

الأربعاء، 17 يونيو 2009

الفصل  الثالث عشر

 

السيرة السياسية

لخلفاء الدولة الإسلامية الواحدة

و الحكام المتسلطين في ( الدولة ) التي شُبهتْ

بالدولة الإسلامية  ( المُلك العضوض )

( إنكار المنكر و الأمر بالمعروف – من أوجب الواجبات الشرعية )

أوجب من  -  الصلاة و الصوم و الحج و الزكاة

قال رسول الله الحبيب

<<  الخلافة بعدي – ثلاثون سنة – و من ثم ستكون – ملكاً عضوضاً >>

             إنّ هذا الحديث الشريف قد نُقل إلينا – على الأكثر – بهذا النص – و برأينا يعتبر – نصاً كاملاً و تاماً – و لا يَقبل الزيادة و النقصان – و إنّ أي زيادة أو نقصان – يَفتح باب – التشويه و الطعن – في هذا الحديث الشريف – بلاغةً و فصاحة و فقهاً و تشريعاً – و بالنتيجة تؤدي إلى – التشابه و التأويل و الزيغ و البغي – و إنّ – عهد المُلك العضوض – هو أول جهة تُحارب هذا الحديث الشريف و تستهدف تشويهه – لأنّ الحديث كان يستهدف – المُلك العضوض – الذي كان يشكل الخطر على الإسلام و المسلمين و الإنسان و الناس و العالمين  .                               

                   و إنّ هذا الحديث الشريف يعتبر – أضخم معجزة إلهية لرسولنا العظيم – معجزة غيبية – قد تحققت بالتمام و الكمال – بداية حياة الأمة الإسلامية الواحدة – و بعد رحيل رسولها الحبيب عنها مباشرة – و إنّ هذه – المعجزة -  تعتبر شقيقة – لمعجزة – ثانية في حديثه الشريف  <<  إلا لا نبي بعدي  >>  على هذه الكرة الأرضية -  و إنّ هذا الحديث الأخير قد أيده الله تعالى بقوله الكريم { ما كانَ محمدٌ أبا أحدٍ منْ رجالِكم و لكنْ رسولَ اللهِ و خاتم النبيينَ و كانَ اللهُ بكلِ شيءٍ عليم } ( الأحزاب 40 )   – و أما – الزيادة و النقصان – المنقولة لنا في حديث الملك العضوض – كان أهمها هو النص ( و إنّ أبا بكر لا يلبث إلاّ قليلاً )  فإنّ هذه الزيادة سوف تدفع الأمة الإسلامية إلى ساحة – التفرقة و الفتنة و الخلاف و تدعم البغي –    و إنّ أول خطوة لهذه الزيادة في الساحة – سوف تدعم الفكر القائل (  وجود نص نبوي رباني باستخلاف الصحابي علي ) لأنّ الصحابي علي يمتاز على الصحابي أبي بكر بالولاية التي هي ثابتة لدى كافة المسلمين و ثابتة حتى عند الخلفاء الثلاث الصديق و عمر و عثمان في الحديث الشريف < من كنت مولاه فهذا علي مولاه > و حديث شريف آخر من ضمن من نقله الصحابي سعد بن أبي وقاص و هو < علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ  لا نبي بعدي > بالإضافة إلى أنّ هذه الزيادة تتعارض مع – المقاصد الشرعية – التي تؤكد على إنّ ( الخلافة – شورى – اختيار و رضا – عموم الناس – و من ثم بيعة ) و هذا هو - المقصد الشرعي – الإنساني – الصحيح و العظيم – الذي جعله الله الخالق رحمة و شفاء للعالمين  - خاصة في يومنا المعاصر – الذي انتهى  فيه ( وقت تطبيق -  نص الولاية -  بوفاة ولي الله علي - النص الذي يوجد من يفهمه أنه هو – نص الخلافة  - وعندهم أحاديث أخرى تدعم – نص الخلافة – منها حديثه في اجتماع عشيرته الأقربين – بقوله -  ويكون خليفتي من بعدي )  -  و نقول  ( هذه نصوص كلها قد انتهى وقت تطبيقها و أصبحت مجرد أفكار من العقيدة الإسلامية و المسلم سوف يحاسب في اليوم الآخر على نوع فهمه و تعقله لها – و لم يبق أمامنا إلاّ نص – إني جاعل في الأرض خليفة  - وسيرة نبينا بتشكيل الدولة الإسلامية – و الحديث الشريف < من مات و ليس في عنقه بيعة  مات ميتة جاهلية >  -  وهذه نصوص و سنة ثابتة ثبوتا قطعيا عند كافة المسلمين و لا يوجد من يختلف عليها أو يشكك بها .

                   هذا من ناحية و من ناحية أخرى فإنّ هذه – الزيادة – كان القصد منها واضح كالشمس و حسب رأينا هو ليس المراد به – الصحابي الصديق – و إنما المراد منه هو – محاربة خلافة الخليفة الخامس الحسن – لأنه عندما يجعلون مدة بقاء الخليفة الأول لعدة سنوات  هي – القليلة – فلا يكون لمدة خلافة الحسن أي مكان لعبارة – القليل – و التي مدتها ستة أشهر – في حين شرعاً و قانوناً – فإن المنصب الذي  يتسلمه الشخص ليوم واحد فهو معتبر و ثابت بالعرف الإنساني و الشرعي و القانوني – فإذا كان لابد من – زيادة – تتعلق – بالقلة و الاسم – فيكون النص الزائد كالآتي ( و إنّ الحسن لا يلبث إلاّ قليلاً ) لتكون المعجزة الغيبية صادقة – و لكن تأتي الزيادة  باسم الخليفة الأول الصديق وإنّ خلافته بالسنين و ليس بالأشهر – فيكون القصد من الزيادة واضح و هو – إبعاد – خلافة الخليفة الخامس الحسن – من مجموع الخلفاء بعد رسول الله الحبيب – و هذا بدوره يؤدي إلى جعل – الحديث الشريف لا يشكل – معجزة غيبية – لرسول الله الحبيب .                        

                   و استناداً إلى هذا الحديث الشريف -  بدون زيادة أو نقصان – فيكون ( عدد الخلفاء ) بعد رسول الله ( خمسة خلفاء – أبو بكر و عمر و عثمان و علي و الحسن ) و ليس ( أربع خلفاء ) – و كانت خلافة الأول و الثاني و الثالث – بالبيعة فقط -  و أما خلافة الرابع و الخامس فكانت – بالشورى و البيعة – والمهم كذلك هو إنّ – الخلفاء الخمسة – لم يكن اختيارهم و بيعتهم -  بالإجماع – و إنما كانت – بعموم الناس – الأكثرية التي يحصل بها التيقن و اليقين – و من ذلك يظهر لنا – إنّ الأكثرية – العموم – هي التي حصل عليها – الإجماع – إذاً لابد من – عموم الناس – للحكم على أنّ – المرشح للخلافة – قد أصبح – خليفة – و لا يوجد ما يمنع أنْ يكون الاختيار – بالإجماع – رغم إنه – خيالي و غير واقعي .

(تنازل الخليفة – واقع حصل لدى المسلمين – و عزل الخليفة– افتراضي)

                           و إنّ -  بني أمية – قد جعلوا الخلفاء – أربعة خلفاء – بحذف – الخليفة الخامس الحسن – وسموهم – الخلفاء الراشدون الأربعة – و ذلك – لتمرير ( بغيهم – الباغي الأول في الإسلام – المتسلط معاوية) – و كذلك يكشف – واقع بني أمية الفاسد – لأنّ المسلمين عندما يخطبون من على – المنابر – اللهم أرحم الخلفاء الراشدين الخمسة – سوف يضطر الناس و حتى الأطفال إلى السؤال  و البحث عن – بداية – حكم الخليفة الخامس الحسن – كيف بدأت – و عن – نهاية – خلافته – كيف انتهت – و إني قد قرأت أحد المؤلفات القيمة في – بحث أحكام الخلافة – فإنه قد تطرق إلى موضوع – حكم عزل الخليفة – و لم يتطرق إلى – حكم تنازل الخليفة – بينما في – واقع – حياة المسلمين – فإنّ الذي حصل – عملياً – هو – التنازل – و أما – الاعتزال – فلم يحصل و لم يكن له واقع عند المسلمين – و كان بحث افتراضي – وإنّ سبب إغفال – التنازل – من قبل المؤلف هو حتى لا يتورط في بحث – أنّ حكم بني أمية حكم فاسد و خلاف الإسلام – و هذا بدوره وبالضرورة يؤدي إلى -  كشف الباغي معاوية – وهذا يؤدي و يؤدي و تتحول القضية من قضية فكر إلى قضية أشخاص – إذا ما أصر المؤلف الدفاع عن مرتكبي الأخطاء الشرعية في الأحكام – و المتعلقة بعمل معاوية الباغي – و تنازل الخليفة الخامس له – خاصة و إنّ مدة الثلاثين سنة التي وردت في الحديث الشريف – سوف لا تكتمل – إلاّ بإضافة – مدة خلافة الخليفة الخامس الحسن و هي – ستة أشهر – إلى – مدد خلافة الخلفاء الأربعة الذين سبقوه – لتكون المدة – ثلاثون سنة – كما قالها رسول الله الحبيب .

                   و إنّ ( الخلافة ) هي ( رئاسة الدولة ) و هي – نظام الحكم الإسلامي الرباني – { إني جاعلٌ في الأرض خليفة } ( البقرة 31 ) – و إنّ – الخلافة – هي – الحلال و النعمة و الفرض – و أما – المُلك العضوض – فهو – الحكم المذموم – و هو الحرام – و هو – المنكر – لأنّ فيه – ظلم و أذى للرعية – و أنّ رسولنا الحبيب – قد لفت نظر المسلمين إلى هذا (  الحرام – المنكر – الذي يُمتحن به المسلمون – لمعرفة الخبيث من الطيب – و من هو أحسنُ عملاً – مثلما لفت نظرهم في حديثه الشريف < إذا رأيتم معاوية على منبري هذا فابقروا بطنه >  - و إذا لم يُبلغ الرسول الحبيب إلى هذا الحرام و المنكر- فإنّ أمته و الناس – تكون – معذورة – إنْ هي اتبعت المنكر – و لكنه و قد قام بالتبليغ فما هو عذرها في اتباعها المنكر و سكوتها عليه .

                   و إنّ  ( الحرام – المنكر – المُلك العضوض ) لم يحدده لنا رسولنا الحبيب ( بمدة معينة – بيوم أو سنة – أو بآلآف السنين ) مثلما ( حدد مدة الخلافة بثلاثين سنة ) و إنما ترك -  مدة حكم الملك العضوض – البلاء و الفتنة – مفتوحة – و قد تكون إلى قريب من يوم القيامة – و هذه معجزة الله جلت قدرته في أرضه – و قد ترك الله و رسوله - - أمر بقاء الملك العضوض – مدته – إلى -  المسلمين – ليحددوا هم بأنفسهم ( مدة الإثم – الظلم  و الفسق ) الذي يرتكبونه و يعيشونه – باختيارهم – سواء بقيامهم – بأعمال لتغييره – و لكن الله تعالى لم ينصرهم لسبب غيبي – أو بسبب اختيارهم الأعمال الخاطئة للتغيير – أم – القعود مع القاعدين الآثمين  – و عدم القيام بأعمال التغيير – من مُلك عضوض إلى – الخلافة التي يريدها الله و رسوله و قد فرضها عليهم – إني جاعل في الأرض خليفة – و إنّ – السعيد – هو الذي أو الذين يقدرون على إنقاذ أنفسهم و أهليهم من دائرة – الإثم و غضب الله سبحانه – الدائرة – التي نبه إليها رسولنا الحبيب < من رأى منكم سلطاناً جائراً فلغيره >  - الثورة – على الملك العضوض – و إعادة الأمر إلى أصله – الإسلام – الخلافة – مثلما تمكن أحد أعضاء العترة الصحابي الحسين – من الخلاص من دائرة الإثم و من غضب الله – إلى – دائرة رضا الله جلت قدرته – و لم يبدل تبديلا- لذلك قال الصحابي عبد الله بن عمر بن الخطاب في مسجد المدينة المنورة ( و الله لقد غلبنا الحسين – بخروجه إلى كربلاء – و لقد رأى في أبيه علي و أخيه الحسن عبرة  ) .

                   و إنّ – الصحابة – الذين كانت لهم ( علاقة بالحكم و السياسة و الخلافة ) خاصة ( الشورى والبيعة و العمل الحزبي و السياسي ) و الذين ( قرروا مصير ) ( الأمة الإسلامية الواحدة – و العالم الإسلامي الواحد – من خلال – الدولة الإسلامية الواحدة ) و قرروا مصير الناس كافة في العالمين – بعد وفاة رسول الله محمد صلى الله عليه و آله و سلم في ربيع الأول سنة أحد عشر من الهجرة هم ( خمسة خلفاء – الصديق وعمر و عثمان و علي و الحسن ) .

                   و كذلك ( الحكام المتسلطون – المتولون )  ( بعد الخلافة ) و الذين هم كذلك – قرروا مصير العالمين – بتغيير – الخلافة – إلى –  ولاية عهد و وراثة و وصاية -  و مُلك عضوض أو عضود – أي -  كثير العض – و كثير التعسف و الظلم والفسق بالرعية – و أول من بدأها هو – الباغي معاوية بن أبي سفيان الأموي – و بعده الكثير إلى يومنا الحاضر .

(الصواب والخطأ في - أعمال وأقوال- الخلفاء وأي حاكم حكم المسلمين ) ( ليس طعن – بأشخاصهم – و إنما حتى نقتدي و نهتدي بالصحيح منها)

             نحن لا نريد أنْ ( نُخطِأ ) الصحابي و الخليفة الأول  أو أي صحابي و خليفة آخر (( كأشخاص )) لأنّ ذلك يؤدي إلى الطعن بأشخاصهم – و العياذ بالله – أنّ ( الصديق و أي خليفة صالح ) هم جميعاً من         ( الثلة الواعية ) و هم ( سياسيون من الطراز العالمي ) و لكن الذي نريده هو أنْ ( نَفْهَمَ و نُفَهِمَ ) المسلمين     و الناس ( أحكامنا الشرعية ) – و إنّ ( فهم ) الأحكام الشرعية ( واجب و فرض شرعي – من أجل – العمل بالإسلام وتطبيقه – و حمل الدعوة الإسلامية و نشر الإسلام إلي العالم – و إقامة الدولة الإسلامية الواحدة )    و هذا العمل الضخم و الهائل و الجبار لا يتأتى إلاّ بمعرفة و فهم أحكام ديننا .

                   فإذا كان فهم الأحكام الشرعية يتطلب أنْ ( نُخطِأ ) ( عمل ) أي ( خليفة و صحابي ) حتى إذا كان الخليفة و الصحابي هو ( الصديق أو الحسن ) فيجب أنْ نقول (  القول السديد ) فنقول إنه ( عملٌ أو قولٌ خطأ) حتى ( نفهم و نطبق العمل الصحيح – و الحكم الشرعي الصحيح ) لأنّ ( أحكام الله تعالى )  أفضل من ( أي صحابي و خليفة و والي – وحتى من الأنبياء و الرسل و الأولياء الذين ما صاروا بهذه المناصب الإلهية إلاّ بعد أنْ – مَنَّ – الله جلت قدرته عليهم و من أجل – الرسالات و الأحكام – فماذا يقول – رجال الدين و وعاظ السلاطين الذين لا يعملون لإقامة الدولة الإسلامية الواحدة التي أقامها محمد رسول الله الحبيب – و إنّ – السبب- الذي يدفع الفقهاء إلى القول ( إنّ جميع من تسلط على الأمة الإسلامية – بولاية العهد و الوراثة – هم خلفاء ) أو القول ( إنّ جميع الصحابة عدول ) هو حتى ( لا يتورطون )  بالدفاع عن ( إثم )  ( الصحابة والتابعين و الفقهاء – المذاهب و الصحاح – إذا هم لم يعملوا لمبايعة خليفة أو إقامة الدولة الإسلامية )  و هل ( الصحابي الحسين و أحد أعضاء العترة  لم يكن فقيهاً و عالماً بالأحكام الشرعية – إنه إمام و فقيه و عالم – و بنفس الوقت – هو أول من أنكر منكر السلطان الجائر و تقويم الدولة الإسلامية لإعادة معالم الدين – فالعالم و الفقيه هو الأجدر بالعمل من العامي – وهو – القدوة – و إلاّ ماذا نصنع بفقههم و علومهم – إذا هم لم يعملوا على تطبيقها و إذا لم يكونوا هم - قدوة – للعمل و الوصول إلى ما يريده الله و رسوله – لينطبق عليهم قوله تعالى {أولئك الذين هَدى اللهُ  فبِهُداهم  اْقْتَدِه ) ( الأنعام 91 ) – فما دام المراجع و الفقهاء و المذاهب لم يعملوا–   بالواجب الشرعي – الأهم – وهو – إنكار المنكر و الأمر بالمعروف – و إنّ الواقع الذي كان يعيشونه مليء بالمنكر – و هذا بالضرورة -  لم يمكنهم من – إعطاء الحكم الشرعي الصحيح و الرأي السديد – في كتاباتهم ومؤلفاتهم - لذلك فإنهم – قد سمعوا – أو سيُسمعهم الله تعالى – مصير إنهاء اسم الخلافة الإسلامية الواحدة – فماذا سيقولون للهِ سبحانه يوم القيامة و يوم الحساب -  هل سيقولون – كنا نحملُ أسفاراً – من العلم و الفقه . 

(  الدولة الإسلامية  )

(  دولة عقائدية و  حضارية -  وليست  مؤسسة كهنوتية  )

و قبل الدخول إلى – سيرة -  الخلفاء و الحكام – علينا إثبات قولنا بأنّ     ( الدولة الإسلامية )  (  دولة عقائدية و حضارية ) من يوم تأسيسها      و إنّ – الكتاب و السنة – خير ما يثبت ذلك – و مع ذلك – فهناك            -  محرران – يمكننا الاستشهاد بهما  :                         

( المحرر الأول  )

(  كتاب صادر من رئيس الدولة الإسلامية – الخليفة الرابع علي  )

( و موجه إلى – واليه في مصر – مالك الأشتر – و فيه وصف دقيق )    لكل جوانب الدولة الحضارية – في الراعي و الرعية – و مسؤولية الحكم  وفي الاقتصاد و الاجتماع – و هو نقيض السياسة الميكافيلية – المتمثلة  في شعرة معاوية

          *  [  هذا ما أمر به عبد الله – علي – أمير المؤمنين – واليه في مصر مالك الأشتر – في جباية خراجها – الأموال – و جهاد عدوها – و استصلاح أهلها – و عمارة بلادها – و قد أمرناه – أولاً – بتقوى الله و إثار طاعته –  إتباع كتابه لإسعاد الناس – و إنّ من ينصر الله سبحانه – بقلبه و يده و لسانه – فإنه تعالى قد تكفل بنصر منْ نصره و إعزاز منْ أعزه –       و أمرناهأنْ يكسر نفسه – منَ الشهواتو يكفها عن الجمحاتفإنّ النفس أمارة بالسوء إلاّ من رحم الله – ثم اعلم – يا مالك – إني وجهتك إلى بلاد مصر – و قد جرت عليها – دولٌ – قبلك منْ عدلٍ و جورٍ – و إنّ الناس – الرعية -  ينظرون إلى معاملتك معهم مثلما كنت أنت تنظر إلى أمور الولاة قبلك – و يقولون فيك ما كنت تقول فيهم – فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح – و إنّ الشحَّ بالنفس هو الإنصاف منها فيما أحبتْ و كرهتْ – و اشعر قلبك الرحمة و المحبة للرعية و أُلطف بهم – و لا تكن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم – و هم صنفان  ((  إما أخٌ لك في الدين و إما نظيرٌ لك في الخلق  ))  و يؤتى على أيديهم الزلل في العمد     و الخطأ فأعطهم من عفوك و صفحك مثل ما تحب أنْ يعطيك الله من عفوه و صفحه – فإنك فوقهم و إنّ ولي الأمر – الخليفة – عليك فوقك و إنّ الله فوق من ولاك – و لا تقولن إني  مُؤمَرٌ عليكم آمر  فأُطاع فإنّ ذلك أدغال في القلب و منهكة للدين – و تقرب من الغير – و انظر إلى عظم ملك الله فوقك و قدرته منك حتى لا تغتر بسلطانك و تجعله أُبهة أو مخيلة لك – و إنّ الله يذل كل جبار و مهين كل مختال – انصف الله و انصف الناس من نفسك و من – خاصة أهلك – و من لك فيه – هوى من رعيتك – و من ظلَمَ عباد الله كان الله خصمه دون عباده فإنّ الله سميع دعوة المضطهدين و هو للظالمين بالمرصاد – و ليكن أحب الأمور إليك – أوسطها – في الحق و أعمها في العدل و أجمعها لرضى الرعية – ادفع سخط الناس الخاصة سخط العامة لأنّ سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة – و إنّ في الناس عيوباً - الوالي  المسؤول – أحق بسترها – و الله يحكم على ما غاب عنك فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك – و لا تدخلن في مشورتك – بخيلاً – و لا – جباناً – و لا – حريصاً – و إنّ شر – وزرائك – من كان للأشرار قبلك وزيراً – و عليك بمن لم يعاون ظالماً على ظلمه و لا آثماً على إثمه و أولئك أحسن لك معونة و اتخذهم خاصة في خلوتك و حفلاتك ثم ليكن آثرهم عندك – أقربهم بمر الحق لك – و إنّ كثرة الاطراء تحدث الزهوة و تدني من العزة – و لا يكون المحسن و المسيء بمنزلة سواء و الزم كلاً منهم – ما ألزم نفسه .

               و أعلم يا – مالك – أنّ الرعية طبقات – لا يصلح بعضها إلاّ ببعض – ولا غنىً ببعضها عن بعض – فمنها – جنود الله- الجيش – و منها – كتاب العامة و الخاصة – و منها -  قضاة العدل – و منها – عمال الإنصاف و الرفق – و منها – أهل الجزية و الخراج – و هم من – أهل الذمة و مُسلمة الناس – و منها – التجار و أهل الصناعات – و منها – الطبقة السفلى من ذوي الحاجة و المسكنة – و كلاً  قد -  سمى -  اللهُ -  سهمه – و وضع على  حده -  فريضته  -  في كتابه و سنة نبيه -  عهداً  -  منه  - عندنا  ( محفوظ ) .

               فالجنود  -  الجيوش  -  بإذن الله -  حصون الرعية  -  و -  زينة الولاة  -  و  -  عز الدين  -  و-  سبل الأمن  -  و ليس تقوم الرعية إلا بهم -  و لا قوام للجنود إلاّ  -  بالخراج  - فيقومون به في جهاد عدوهم و بما يصلحهم و يسد حاجاتهم -  ثم لا قوام لهذين الصنفين  -  الجنود و الخراج  -  إلاّ  بالصنف الثالث  -  القضاة و العمال و الكتاب  -  بالعقود  - التي ينظمونها و بالمنافع التي يجمعونها  و بما يؤتمنون  من  خواص الأمور و عوامها -  و لا قوام لهم جميعاً -  إلاّ  بالتجار  و ذوي الصناعات في مرافقهم و أسواقهم  -  ثم  الطبقة السُفلى من أهل الحاجة و المسكنة الذين  يحقُّ رفدهم و معونتهم – و في الله  لكلِ سعة و ما وضع     ( سهمه ) .

                و عليك بتقوى الله  و ولي  جنودك – أنْصَحَهم و أنقاهم جميعاً و أفضلهم حلماً     و ممن يرأف بالضعفاء و يَنْبؤُ ( شديد ) على الأقوياء و من أهل النجدة و السخاء و السماحة – ثم عليك ( بتفقدهم ) .

               و إنّ أفضل قرة عين الولاة – استقامة العدل في البلاد و ظهور مودة الرعية -     و أردد إلى الله ورسوله ما يضعك من الخطوب و ما يشتبه عليك من الأمور لقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإنْ تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول } فالرد يكون إلى الله و هو – الأخذ بمُحكم كتابه و الرد إلى الرسول هو – الأخذ بسنته ( الجامعة غير المفرقة ) .

               ثم أختر ( للحكم بين الناس ) أفضل الرعية و أتقاهم – و أعطه من المنزلة لديك – ما لا يطمع فيه غيره – من خاصتك – ليأمن – بذلك – اغتيال الرجال عندك – فأنظر في ذلك نظراً بليغاً فإنّ هذا -  الدين  - قد كان -  أسيراً  -  في أيدي – الأشرار -  يُعمل  فيه بالهوى – و تطلب به الدنيا .

               ثم أُنظر  في أمور عمالك -  فاستعملهم -  إختياراً  بالإمتحان -  و لا  تولهم محاباةً و إثرةً – وإنما من أهل التجربة  و – الحياء -  و -  القدم – في الإسلام – فإنهم -  أكرم أخلاقاً – و أصح اعراضاً – وأقل في الطامع إشرافاً – ثم اسبغ عليهم الأرزاق – فإنّ ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم و غنىً لهم عن – تناول ما تحت أيديهم -  و حجة عليهم إنْ خالفوا أمرك – أو -  ثلموا أمانتك و ( تفقد أعمالهم ) .

               و تفقد -  أمر الخراج -  بما يصلح أهله – فإنّ في صلاحه – صلاحهم – صلاحاً لمن سواهم إلاّ  بهم لأنّ  كلهم -  عيال  - على الخراج و أهله .

               و ليكن نظرك في – عمارة الأرض – أبلغ من نظرك في – استجلاب الخراج -      و من طلب الخراج – و بغير  عمارة الأرض – أخرب البلاد و أهلك العباد – فعليك بإنقطاع الماء و الغرق و العطش واعواز أهل الأرض ليكون سبباً في خرابها – ثم أنظر في حال – كتابك – فولِ على أمورك خيرهم و باختيارك لهم .  

               ثم  استوصي – بالتجار و ذوي الصناعات – و أوصي بهم خيراً – المقيم منهم – و المضطرب بماله و المرتفق ببدنه – فإنهم -  مواد المنافع و أسباب المرافق و جلابها -  من المباعد و المطارح في بَرِكَ وبحرك  و سهلك و جبلك – و تفقد أمورهم بحضرتك  و في حواشي بلادك – و أعلم إنّ كثيراً منهم -  ضَيقاً فاحشاً  و  شحاً قبيحاً و احتكاراً للمنافع         و تحكماً في البياعات و في ذلك مضرة للعامة – و ليكن البيع سمحاً بموازين عدلٍ و أسعارٍ – لا تجحف – الفريقين  - فمن – احتكر – عاقبه بغير اسراف .

               ثم الله  في – أهل الحاجات و المسكنة – فأفرغ لهم مجلسك و قد سألتُ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم – حين وجهني  إلى اليمن –  كيف أصلي بالناس – فقال -  صلِ كصلاة  أضعفهم و كن بالمؤمنين رحوماً .

               و لا تدفعن – صلحاً – دعاك إليه عدوك – و للهِ فيه رضى فإنّ في الصلح – دعة لجنودك وراحة من همومك و أمناً لبلادك – و لكن الحذر – كل الحذر – من عدوك – بعد صلحه -  و لا تغدرن -  بذمتك وعهدك . 

                و -  إياك  و الدماء -  و سفكها بغير حلها و حقها – لأنّ بها - تزول النعم      و الله سبحانه -  يبدأ بالحكم  -  يوم القيامة – بين العباد -  فيما تسافكوا من الدماء  -  فلا  تقوي سلطانك بسفك الدماء المحرمة -  فإنها تزيل سلطانك -  و إياك و الإعجاب بنفسك و حب الإطراء بك -  و المنّة -  على رعيتك – و إياك  والعجلة بالأمور قبل أوانها  أو التسقط  أو اللجاجة و الوهن – فضع كل أمرٍ موضعه – و أوقع كل عملٍ موقعه.

               و إياك  و -  الاستئثار  -  فالناس سواسي -  و إياك و -  التغابن -  و الواجب عليك أنْ تتذكر ما مضى لمن تقدمك من – حكومة – عادلة – أو سنة فاضلة – أو  أثر عن نبينا – أو فريضة في كتاب الله – وأسأل الله  أنْ  يوفقني  و أياك لما فيه رضاه ]   *

 

               هذه هي   دولة   المجتمع الحضاري   و  المؤسسات المدنية و أجهزتها وفق أنظمة    و مفاهيم العقيدة الإسلامية  -  وهذه هي القواعد الأساسية للحكم في الدولة الإسلامية الحضارية – يخضع لها الراعي قبل الرعية ( المجتمع الحضاري و ليس مجتمع المؤسسات المدنية )  .

 

 

                                 (  المحرر  الثاني  )

              و إنّ هذا المحرر الثاني  -  هو ما ورد  على لسان – أحد السلف من أبناء العترة – عترة رسول الله الحبيب – و هو ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ) الملقب ( زين العابدين أو السجاد ) في القرن الأول الهجري – و كان – عمر بن عبد العزيز الأموي – يلقبه بلقب ( نور الإسلام ) – الأول هو – دعاء أهل الثغور -  و إنّ – الثغور – هي – حدود البلاد الإسلامية للدولة الإسلامية – و أهلها هم الرعايا الساكنون فيها -  فقد كان يدعو الله تعالى للجيوش الإسلامية التي تحرس و تحمي حدود – ثغور – الدولة و تصد عنها هجمات الأعداء    و الكفار و دفع خطرهم – و يدعو   بالنصر و الخير و العزة و الكرامة لهم و للأمة – و يقول في دعائه  : 

         ((  اللهم نسألك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها الكفرة وأهله  ))

       فلننظر و ندقق في كلمات هذا الدعاء لنجدها مفاهيم إسلامية سياسية عميقة و مركزة في – فهم الإسلام و أحكامه – و فيه مصطلحات تنطبق في كل زمان و مكان – و فيه الحد الفاصل بين الإسلام و الكفر – فكانت هناك – دولة أموية – و لكنه يريدها –  دولة إسلامية كريمة  -  بالرغم من أنه كان منكوب في أبيه و أهله بالذبح و تقطيع أوصالهم من قبل نفس إخوانهم المسلمين -  الفتنة و البلاء – و لكنه كان تقي و عالم و فقيه زمانه – فكان يتحسس ما أصبح فيه - الواقع الإسلامي -  من فساد و انحطاط  و تأخر و هبوط – إلى الدرجة التي فيها يحرم الشرع المثلة بالكلب العقور – و لكنهم قد مثلوا بأهل نبيهم الحبيب -  في حين الإسلام يحرم المثلة بالكفار حتى إذا كان جريح المعركة  و حتى الحيوان المعتدي بعد دفع أذاه – فما هو واقع من قام بعمل المثلة و يقال عنهم أنهم فتحوا الأمصار – فهو يسأل الله سبحانه – بالدولة الإسلامية الكريمة و العزيزة و فيها الشفاء من كل داء –  و تزول منها كل الغدد السرطانية – إسرائيل في فلسطين و روسيا في شيشان الإسلام و الصرب في البوسنة وكوسوفو و مقدونية – و دول الكفر في أفغانستان و كل العملاء و الخونة في كيانات العالم الإسلامي – فأصبح القرآن المجيد مهجوراً و تحققت المعجزات الإلهية في قوله تعالى   :

{ و قال الرسولُ يا ربِّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً  .  و كذلك جعلنا لكل نبيٍ عدواً من المجرمين و كفى بربك هادياً و نصيراً  } ( الفرقان 31 )  .

         واليوم نحن بأشد الحاجة إلى الدولة الإسلامية  الكريمة   ( دولة الشورى و البيعة  -      و الدعوة و الجهاد  )  لتعز الإسلام و أهله و تذل الكفر وعدو الإسلام و أهله  .

               و هناك -  دعاء آخر لهذا المؤمن ومن أولي العزم الأبرار و الثلة الواعية        و مهم جداً – يسمى -  دعاء القنوت  - و إنّ هذا الدعاء يحدد – كيف تكون الرعية و الراعي -  و إنّ  ما تضمنه  :  

             ((  اللهم بجاه هذا اليوم – يوم العيد -  أدخلنا في كل خيرٍ أدخلت فيه محمد و آل محمد – وأنْ تخرجنا من كل سوءٍ أخرجت منه محمد و آل محمد ))  .

                وكان هذا الدعاء يقرأه في صلاة كل عيد – سواء كان عيد الفطر المبارك الذي خرج منه المسلمون   بأداء عبادة الصوم و تدريبهم على تحمل الصبر و الثبات و المسؤولية   و إتقان الأمور و تنفيذ الالتزام  -  أو عيد الأضحى المبارك الذي خرج المسلمون فيه من عبادة

الحج وتدريبهم على الدعوة و الجهاد و البراءة من الكفار و رمي الحجر على الشيطان           و المساواة بين عباد الرحمن المؤمنين الأتقياء  – فهو يدعو  الله تعالى – و يريد  – دخول     و خروج –  المسلمين و الرعية و الراعي -  مثل – دخول و خروج – رسولنا محمد الحبيب – و آل محمد الذاهب عنهم الرجس و المطهرين تطهيراً – فهو لا يدعو للرسول و لا  لآله –       و إنما يدعو للرعية ليكونوا  كما دخل و خرج  -  الرسول و آله    إلى و من - ( الدولة الإسلامية  و المجتمع الإسلامي و الأمة الإسلامية - الحضارية – الواحدة الموحدة بحبل الله جميعاً ) و هذا هو موضوع  ( الحكم بما أنزل الله ) – فهل فهم المسلمون ذلك و استجابوا إلى ما يريده الله و رسوله – و إلى ما يحييهم  .    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق